التعامل مع التراث
التعامل مع التراث
التعامل مع التراث
إن كلمة التراث ترجع في اللغة إلى الفعل (ورث), والتاء فيه مبدلة من الواو, ومعناه ببساطة كل ما خلفه الرجل لورثته من مال ومتاع .
إلا أننا إذا نظرنا للتراث بصفته مصطلحا لقضية فكرية, فإننا نجد اختلافا بينا بين المفكرين في تحديد ماهيته وبيان مفهومه .
ومرد هذا الخلاف إلى المنطلقات الإيديولوجية, والمرجعبة الفكرية, التي تتحكم في كل شخص .
ومهما يكن الخلاف, فإن التراث في النهالية, ما هو إلا ماتركه الآباء والأجداد من عقيدة, وثقافة, وآداب, وفنون, وقيم, وأخلاق, وجميع الأشياء المادية والمعنوية .
ويمكن تقسيم هذا الترث في الجملة إلة ثلاثة أقسام:
1 – مروي مسموع .
2 – عملي ممارس .
3 – مدون مكتوب ( المخطوطات ).
وأصح هذه الأقسام طريقا في النقل, وأدقها وصفا في الحكاية, وأصدقها حديثا في الرواية, وأقومها قولا في الدراية, الأخير منها .
لأن التراث المسموع والممارس عمليا,غالبا ما يكون عرضة للتحريف, والتزييف, والزبادة, والنقصان, والتغيير, تحت ضغط عوامل كثيرة , ومتنوعة, كذلك يندر أن تجد في تقاليد أي أمة وعاداتها ما سلم من التحريف, والتبديل, كما يعسر علينا أن نجد في مروياتها من القصص والحكايات ما لم تطله يد التلفيق والتصحيف .
ويقسم بعض المفكرين التراث إلى قسمين :
تراث علمي : المخطوط على وجه الخصوص, بغض النظر عما دون فيه من علوم وفنون محتلفة .
تراث شعبي : يقصد به العادات, والتقاليد, التي يتعاطاها الناس في حياتهم اليومية, والروايات من القصص والحكايات والخرافات, التي يزينون بها الأحاديث في مجالسهم .
أما بالنسبة للمتعاملين مع التراث فهم فريقان :
1 - مستشرقون : وهؤلاء ينطلقون في تعاملهم مع التراث العربي الإسلامي من منطلقات متقلبة بين الجحود والإنصاف, وقليل هم المنصفون علميا في تقييمهم للتراث العربي الإسلامي .
2 – عرب ومسلمون : وهؤلاء يتوزعون على ثلاثة اتجاهات .
الاتجاه الأول : يرى أصحابه ضرورة التمسك بالقديم, والتزام الأصالة, وعدم فتح الباب لأي وارد كان ياسم المعاصرة والتجديد, لأنهم يرون في قبول ما يفيد ذريعة لاعتناق مالا يفيد, وفي الأخذ بالتجديد جرأة على الأصالة والتقاليد .
الاتجاه الثاني : يرى أصحابه أن سر تأخر العرب والمسلمين, يكمن في تمسكهم بالماضي, وتشبثهم بأمجاد قد خلت وذهب عصرها, وطلبهم العلوم من أوراق بالية يسمونها كنوزا, والطريق الأسلم في نظرهم, خلع لباس الأصالة, والإقبال على المعاصرة دون أي تحفظ, ولا مانع أن يحتفظ الناس ببعض الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية, يتعاطونها في المواسم والأعياد, ومحطوطات يزينون بها أرفف المكتبات العامة .
وما هذا المنهج إلا دعوة للانتحار دينيا, وحضاريا, وثقافيا .
الاتجاه الثالث : أصحابه السواد الأعظم من الأمة, فقد سلكوا طريقا وسطا, فهم يرون لا خير في تحضر لاأصل له ولا خير في مجد اجتث من فوق الهوية فلا قرار له .
أما الحكمة تقتضي أن نحافظ على أصالتنا, ونأخذ من المعاصرة ما يليق بنا, وأن نقتحم بفكرنا حضارة غيرنا, حتى نؤثر ولا نتأثر, وأن يكون التراث نقطة إنطلاقنا, ومصدر قوتنا, و يكون التجديد غايتنا, ومقصد إجتهادنا .
وهو مذهب كل إنسان غيور على تراثه وحضارته, عامل بجد على أن تستعيد الأمة مكانتها, رائدة للحضارة الإنسانية والفكر العالمي .
الدكتور عز الدين بن زغيبة
مجلة آفاق الثقافة والتراث
العدد : 20 – 21