الإعلام العربي وصناعة الرأي العام بين مرارة الفشل وبريق الأمل
الإعلام العربي وصناعة الرأي العام بين مرارة الفشل وبريق الأمل
الإعلام العربي وصناعة الرأي العام بين مرارة الفشل وبريق الأمل
إن المتأمل في المنظومات الإعلامية العربية بكلّ وسائلها ؛ المرئية, والمسموعة , والمكتوبة , على تعدد مشاربها ؛ الفكرية , والإيديولوجية , وما تستقطبه من موارد بشريّة وماليّة , وما أُعِدَّ لها من تنظيمات هيكليّة , وبنية قاعديّة , يجد عند موازنتها مع الواجب المفترض أداؤه من قبلها , والماثل في إفادة المجتمع , وتوجيه فكره وتفكيره نحو القضايا المصيريّة للأمة , التي ترتبط بها مسألة وجودها , وإثبات ذاتها , وتمكينه من بناء وعي حضاري , يمتلك الصلابة اللازمة للصمود في وجه التيارات المعاكسة , إضافة إلى صياغة رأي عام ناضج , مبني على المعلومة الصحيحة , والخبر الموثوق , يصل المجتمع بالسلطة , ويقرب الشعب من القيادة , ويبصر الحاكم بواقع المحكومين , ويُمكِّن الرعيّة من تقدير الظروف المحيطة بقرار الراعي , واستعدادها للتعاون معه من أجل المصلحة العليا للأمة , إنّ البون واسع بين الوسائل والمقاصد , ويستوي في هذا الأمر الإعلام العام والإعلام الخاص , وأسباب هذا المآل كثيرة , ترد من فجاج متعددة , فمنها ما هو ذاتي , ومنها ما هو داخلي , لا حول لها ولا قوة أمامه , ومنها ما هو خارجي لا قبل لها به .
وإذا أخذنا في حصر تلك الأسباب بتتبع مواقعها, واستقصاء منابتها , واستقراء تفاصيلها , وجدنا أنفسنا في دور وتسلسل , لا يخرجنا منهما إلا إقالة أنفسنا من هذا الأمر , لكن من الممكن تبين مفاصل الخلل, التي تتجمع عند كل منها أسباب عديدة, مما ندركه ومما لا ندركه .
فماذا يتوقع من إعلام بعيد عن هويته , مجافٍ للسانه , ويعمل في ثوب غيره , كيف يكون له مع ودّ بني جلدته وصل , ولحيرتهم مصل , وفي خطابهم القول الفصل , بل كيف يغرس فيهم بذرة , أو ينبت فيهم فكرة , أو يحدث فيهم خصلة , بل كيف يجمعهم على رأي , أو يهيئهم لأمر , وإذا ما ذكر أمثاله لم يكن له من ذكرهم نصيب .
وأمّ المصائب هنا أن الناس أفاقوا من سباتهم , والإعلام لا يزال له من أصحاب الكهف نصيب , فولوا للآخر وجوههم , وتجرّعوا من صنعه نصيبهم , وتكونوا بفكره , وعلى منواله , فراحوا ينظرون الواقع ببصره , ويفسرون الأحداث بطريقته , فتقطع الناس بين ما عهدوا وما وجدوا , ومضى المجتمع على هذا المنوال يدفع الثمن , على أمل أن تكشف عنه المحن .
وفي هذا الواقع المرصع بأطلال الإعلام , تنفس صبح أمل واعد , وخرجت للناس براعم تنشد المهنية والاحتراف , وتقتحم ما كان حكرا على الآخر, وتكشف زور إعلامه الناصب العداء لحضارتنا , وتعري نواياه , وتسقط قناعه , وتحقق نجاحا مطردا في تمكين المتابع العربي والمسلم من حقائق الأمور, ومنحه مجالا واسعا للموازنة بينها وبين ما سيق إليها من غيرها , فأعطت للفكر فرصته , ويسرت للإدراك طريقه , وأصبحت تقاسم الآخر ما يظنه ساحته , وشوكة تقض مضجعه , بل كانت في كثير من الأحداث مثابة له .
لكن هذا الأمل لا يزال في مهده , وهو بحاجة إلى التهذيب , والنصح والترشيد , والأخذ بيده بدل الوقوف في وجهه .
فحاجة الأمة أن يتطور إعلامها , وتتبدل مناهجه , وتتغير آليات أدائه , ويمد حبل الوصل بين عناصره ومؤسساته , لتكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .
هذا ما ننشده وينشده كل عربي ومسلم , حريص على وحدة أمته , وسلامة كيانها من الاختلال والانخرام .
والله الموفق لما فيه الخير والسداد لأمتنا .
الدكتور عزالدين بن زغيبة
مجلة آفاق الثقافة والتراث