البحث العلمي: بين العرب والغرب
إن مما يثير استغراب المرء, وهو ينظر في البحوث والدراسات الصادرة عن المؤسسات العلمية, والآكاديمية, ومراكز البحث المتنوعة, لدى الغرب والعرب , الطريقة التي تعرض بها الأفكار لدى كل طرف .
فالباحث الغربي يسعى دائما لتقديم أفكاره في أقل ما يمكن من الكلام, الذي يبلغ به المقصود تمامه, ويمكن المتلقي من فهم الصورة المراد إيصالها إليه بأبسط ما يمكن, دون الإسراف في المقدمات, والتمهيدات, والتوطئات, والاستطراد في عرض الأفكار المجاورة لفكرة الموضوع محل البحث, مع اختيار دقيق للألفاظ المستعملة, تجنبا لمشكلة تعدد المعاني تحت اللفظ الواحد, واستعمال أيسر المترادفات وأبلغها في أداء المعنى, مع حسن التوظيف للأدلة والقرائن, كل ذلك ضمن ملكة في قراءة الأحداث, والوقائع, والظواهر, مقرونة بقدرة هائلة على الاستنباط والاستنتاج, إلى جانب الرؤية الواضحة لدى الباحث في منطلقاته ومرماه والمسار بينهما , غير ناظر إلى الحجم الذي ينتهي إليه البحث.
أما الباحث العربي فيهاب الخوض في المشكلات أساسا, وبخاصة تلك التي تكون على تماس بالمحظور, ويحب الركون إلى السهل الذي لا يتطلب عناء ولا زيادة جهد, ويمتلك فن المقدمات والأبواب التمهيدية وحشو الكلام على حساب تدقيق البحث في أصل المشكلة, ويفضي إلى نتائج واستنباطات ينقصها كثير من الدقة والضبط, مما يجعل الناظر في تلك الدراسات يدرك أنها تفتقد إلى الضبط والتحديد, ويجد نفسه عاجزا عن فهم وجه العلاقة بين الفصول والأبواب التي تضمنها البحث إضافة إلى انعدام الحيادية والتماس الأدلة والبراهين لنتائج مقررة سلفا, وتم تطويع البحث لإثباتها مع عناية بالغة بالكم الورقي لا بالنوع الفكري والعلمي, فالباحث العربي عندما يسأل عن رسالته يسأل عن عدد صفحاتها لا عن عدد الأفكار التي ناقشتها ونوعيتها والحلول التي تقدمها للأمة .
ولسنا نعني بهذه الموازنة الكل الذي يفيد الإحاطة على وجه الإفراد, ولكن نقصد ظاهرة تقتضي العموم الذي تتخلف عنه جزئيات عديدة .
والسر في هذا البون الشاسع الذي يفصل بين الطرفين يرجع إلى عوامل كثيرة, منها منظومة التكوين والتحصيل العلمي في مراحله المتعددة إضافة إلى نقص الاعتناء بمناهج البحث العلمي في مراحل التكوين والإعداد للباحث, ويجتمع مع هؤلاء ضعف المكونين والمشرفين على الأبحاث العلمية في كثير من الأحيان مع غياب الحزم والصرامة اللازمين لمصداقية البحث العلمي بالمؤسسات الحاضنة له .
وبناء عليه ينبغي على القائمين على قطاع التربية والتعليم العالي والبحث العلمي إعادة النظر في منظومة التعليم والتكوين برمتها مؤسسات ورجال وتلاميذ وطلاب من أجل صياغة صورة موصولة الأطراف, متكاملة في الآداء, متحدة في الهدف والغاية .
والله نسأل التوفيق والسداد للجميع
الدكتور عزالدين بن زغيبة
أخبار المركز