فتاة مدين من المشي على استحياء إلى إنجاب الشهداء
فتاة مدين من المشي على استحياء إلى إنجاب الشهداء
من الجدير في بداية هذه الافتتاحية أن نبيّن أمرًا هامًا؛ لإزالة أي لبس في فهم عناصرها وتفاصيلها، ألا وهو أن المقصود بفتاة مدين أولئك المرابطات في الأرض المباركة، تصارع أعينهن سواد الليل خوفًا وطمعًا، وكذلك اللواتي فرض عليهن الجلاء عنها بجلاء ذويهن، وهن يحملن الأرض والوطن حرقة في قلوبهن، يكتوين بلظاها آناء الليل وأطراف النهار، وذكريات في مخيلاتهن شهدتها أمصار وأعصار، وصورًا تشغل الفكر وتصاحب العين، يتفجر من خلالها دمع ليسقي زهرة الوطن حتى لا تبلى في الصدور وتبقى يانعة مرور الليالي وطول الدوام .
هي التي نعني أما من كانت هجرتهم إلى دنيا يصيبونها فهم إلى ما هاجروا إليه. أو اللواتي استحببن الدنيا وزينتها والتقلب في ملذاتها على أنين الجراح، وآثرن النسيان على الذكرى، فأولئك نسأل لهن الله يقظة الضمير وسداد التفكير.
إنّ الفتاة التي نعنيها هي التي أثنى عليها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات في قرآنه الكريم وحلاها بالقوة والحكمة وأدب الحوار، وتحمل مهام الرجال عند تخلفهم عنها؛ لعجر أو كبر أو لأيّ علّة أخرى دون أن يخرجها ذلك عن فطرتها التي فطرت عليها النساء أو يمسَّ بأنوثتها، وما تقتضيه من أخلاق وآداب، وقد نبّه القرآن إلى ذلك عندما وصف مشيتها، وهي راجعة إلى كليم الله u ، حيث وسمها بأعلى درجات الخلق الذي يمكن أن تتحلى به امرأة مؤمنة ألا وهو الحياء عندما قال: } تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ((القصص:25).
كما أشاد بفراستها عندما وصفت موسىu لأبيها بأنه القوي الأمين، وهي معانٍ لا تفهم إلا في عمومها وفي ثنايا الأحداث التي مرّ بها نبي الله موسى u ، فتبوأت بذلك مقامًا استحقت به أن تكون بنت نبي وزوجة نبي.
ومرّت الأيام والسنون بل الأحقاب والقرون، وتلاحقت الأحداث تلو الأحداث، فوجدت فتاة مدين نفسها أمام وطن مسلوب وشريك فيه غير مرغوب، وجار لكل مطية ركوب، فاستصرخت الدنيا فليس من مجيب، وأدركت أن لا قوي ولا أمين، فتوكلت على ربها، وأعدّت فلذة كبدها، وقبلته للوداع متقربة به إلى ربها باعًا هامسة في أذنيه: يا بني إني أرسلتك للحياة، وإن لقائي بك لآت، متحملة ألم الولد المفقود، لتفك قيد الوطن المغصوب.
وليس هذا صنيع متفردة، ولا محل معجزة بل هو دأب فتاة مدين أنبأتنا به الأيام،ونطق به فم الزمان، ونعني التي وصفناها وبالرسم قصدناها
والله نسأل لها الحفظ والسداد