هي هكذا علّمونا عنها وهكذا أدركناها
إنَّ الفتاة المسلمة والشاب المسلم وجهان لعملةٍ واحدة هي عملة الأمة، وتمثّل الفتاة وجهها الذي يحدّد قيمتها ومصداقيتها.
فهي أستاذ الأساتذة الأولى، وهي المدرسة التي إذا أحسن الإنسان إعدادها أحسن إعداد أمةٍ بأكملها، وإذا أساء إعدادها أساء إعداد أمةٍ بأكملها، وهي المضغة التي إذا صلحت صلحت الأمة، وإذا فسدت, فسدت الأمة، وهي الأرض التي إذا ما تعهدها الإنسان اهتزت، وربت، وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيج.
أثنى عليها القرآن، فأنزل سورة من سوره باسمها، وهي سورة النساء، وهي وصية الأنبياء للرجال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " ما أكرمهنّ إلاّ كريم، وما أهانهنّ إلاّ لئيم".
هي الأم التي أنجبت الأنبياء عادةً، ومعجزة، وهي الزوجة التي كانت إلى جانبه صلى الله عليه وسلم عند بداية نزول الوحي، وهي الأخت التي جعل الله نصيحتها سببًا لتربية الأنبياء في حجر الأعداء، وهي التي تقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ، وأنبتها نباتًا حسنًا، استجابة لدعائها، دعاء زوجة عمران التي قال: )فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً(.
وبهذه الصورة المرأة شريكة، وليست تركة يتقاسمها الورثة، ومبدعة وليست سلعة يتصرف فيها الباعة والمشترون كيف يشاؤون.
وتتحقّق هذه المرتبة للمرأة بثلاث طرق؛ التربية والاجتماع والعلم.
فالتربية مسؤولية الآباء، وهي التي تجعلها من ذوات المنبت الحسن لا خضراء الدمن.
أمّا الاجتماع فهو مسؤولية أولياء الأمور والأمراء؛ لأنّ في التقاء المرأة أخواتها ومثيلاتها من أصقاع العالم؛ تشاركن أفراحهن وأتراحهن، وتدارسهن أفكارهن ومشاعرهن، وتقاسمهن آمالهن وطموحاتهن، فيتحقّق لهنَّ التواصل، الذي يجعل منهن فكرةً واحدة وجسدًا واحدًا، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى.
أمّا العلم فهو مسؤوليتهما معًا، وبه تعرف ربّها ونفسها، وصناعة دنياها، وبناء آخرتها.
ولن تقوم حضارةٌ في الدنيا دون مشاركتها الفعّالة. وقد قال الفلاسفة قديمًا: وراء كلّ عظيمٍ امرأة هي أعظم منه، وأقول: وراء كلِّ صدوقٍ مخلص مخلصة، هي أثبت منه.
الدكتور عزالدين بن زغيبة
مجلة آفاق الثقافة والتراث