خصائص الفن الإسلامي
خصائص الفن الإسلامي
وكلمة الفن استعملت في العربية حديثًا عوضًا عن كلمة " صناعة " المتعارف عليها قديمًا، فكل ما اقترن بكلمة فن، وبخاصة الفنون الجميلة عرفه المسلمون تحت عنوان الصناعة؛ حيث كانوا يقولون: صناعة الأدب، وصناعة الشعر، وصناعة النحو، وصناعة الحكمة، وصناعة المنطق، وصناعة الموسيقى، وصناعة الطب، وصناعة الخط والكتابة، وغيرها في مختلف العلوم والقضايا.
وأضحت هذه الكلمة، المصطلح الفني لهذا المعنى بعد أن اختارها المؤلفون عنوانًا لكتبهم، فقد ألف أبو هلال العسكري كتابه في النظم والنثر، وسماه " كتاب الصناعتين "، واستعملها القلقشندي في عنوان كتابه المشهور " صبح الأعشى في صناعة الإنشا "، وقد جاء في هذا الكتاب في صدد الحديث عن صنعة الأدب: (والمؤلفون في هذه الصنعة قد اختلفت مقاصدهم في التصنيف)، كما جاء قوله: (والكتابة إحدى الصنائع فلا بد فيها من أمور(، ووسم ابن جني كتابه بـ: " سر صناعة الإعراب "، وعنون أبو الحسن الجيلي كتابه " أصول صناعة الأحكام "، وصنف ابن الرشيق القيرواني كتابه " العمدة في صناعة الشعر ونقده "، وألف ابن معطي كتاب " البديع في صناعة الشعر"، وألف البيروني " التفهيم لأوائل صناعة التنجيم"، وصنف أبوصقر القبيصي " المدخل إلى صناعة أحكام النجوم"، وصنف الفارابي " المدخل إلى صناعة الموسيقي"، وجاء في كتاب " نهاية الأرب في فنون الأدب " للنويري، قوله: (وكنت ممن جعل صناعة الكتابة فننه الذي يستظل بوارفه )، وجاء عن ابن عبد ربه في كتابه " العقد الفريد" عند حديثه عن الألحان: (وكرهنا أن يكون كتابنا هذا بعد اشتماله على فنون الآداب والحكم والنوادر والأمثال عطلا من هذه الصناعة التي هي مراد النفس).
ومما سبق عرضه يتبين لنا بوضوح تام كيف كان يتم استعمال كلمة " صناعة "، وتداولها بين أهل العلم في تناولهم الحديث عن الكتابة والشعر والموسيقى والرسم والزخرفة وغيرها من العلوم الشريفة والأعمال المنيفة، وهو ما يطلق عليه اليوم اسم الفنون أو الفنون الجميلة.
ولعل خير وسيلة تعرفنا على الفن الإسلامي، هي الوقوف على خصائصه الذاتية، وسماته المميزة. ومن خلال ذلك، يمكننا استكمال صورته الواضحة الجلية، بعيدة عن كل غبش أو التباس.
ونستطيع إجمال أهم هذه الخصائص في النقاط الآتية:
1 – إن وحدة الفن هي السمة الرئيسة التي يتميز بها الفن الإسلامي - بكل أنواعه - على غيره من فنون الأمم الأخرى.
هذه الوحدة، التي تخطت عامل المكان فلم يفرقها بعد المسافات بين ديار المسلمين وامتدادها، كما تخطت عامل الزمان فلم يغيرها مرور الأيام وتتابع القرون، هذا ما قرره دارسوا الفن الإسلامي:
ويقول (دومنغايم): " إنه رغم اختلاف الأقطار الإسلامية وابتعادها فإننا نلاحظ قرابة وشيجة لا تنقطع بين لوحة الجص المنحوتة في قصر الحمراء، وصفحة من قرآن في مصر، وتزيين لوعاء من النحاس الفارسي". ويقول (غوستاف لوبون): " إنه يكفي نظرة على أثر يعود إلى الحضارة العربية كقصر أو مسجد، أو على الأقل أي شيء، محبرة أو خنجر أو مغلف قرآن؛ لكي تتأكد من أن هذه الأشغال الفنية تحمل طابعا موحدا، وأنه ليس من شك يمكن أن يقع في أصالتها، وليس من علاقة واضحة مع أي فن آخر، إن أصالة الفن العربي واضحة تماما ".
ويؤكد الدكتور ديماند هذه الظاهرة في كتابه " الفنون الإسلامية " فيقول: " قد يكون من الصعب في أغلب الأحيان أن نحدد بدقة الإقليم الذي يصح أن يرجع إليه من بين الأقطار الإسلامية الفضل في ابتكار نوع من أنواع الخزف، أو شكل معين من أشكال زخرفته، إذ أننا نلقى كثيرا هذه الأنواع والأشكال المختلفة بعينها في أقطار عديدة من العالم الإسلامي "، ويقول أيضا: " أن التشابه بين الخزف المملوكي والخزف الإيراني يكاد يكون تاما، حتى أن بعض القطع المملوكية قد نسبت إلى إيران ".
ومظاهر هذه الوحدة ودلالاتها كثيرة ومتعددة، منها:
أ - انعدام الفرق بين الفن الذي خصت به المساجد وبين الفن الذي ساد الأماكن الأخرى سواء أكانت عامة أو خاصة، يقول أرنست كونل: " غير أن الاختلاف بين الفن لخدمة الدين والفن المدني ليس واضحا في البلاد الإسلامية ووضوحه في الغرب، وصحيح أن دور العبادة الإسلامية اتخذت أشكالا معمارية خاصة اقتضتها احتياجات العملية، ولكن زخرفتها لم تخرج عن القواعد المتبعة في العمارة المدنية ".
ب - العامل الثاني في بناء هذه الوحدة هو اختفاء جنسية الفنان، وبقاء الإسلام هوية واحدة لكل فنان مسلم، يقول كونل: " وكان لتشجيع الحكام والكبراء أثر كبير في ازدهار العمارة وبعض فروع الصناعة، كما تشهد بذلك آثار كثيرة أقيمت طبقا لرغباتهم وتوجيهاتهم حسب اتجاهاتهم الثقافية، بغض النظر عن جنسية الفنانين الذين أقاموها لهم، ومن هنا يتعذر في الفن الإسلامي تقرير وجود اتجاه عربي أو فارسي أو تركي أو هندي موحد؛ لأن المعماريين والصناع كانوا يستقدمون من مختلف البلاد الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها الثقافية للقيام بتلك الإنشاءات طبقا لإرادة مستقدميهم وتوجهاتهم الخاصة ".
ج - وهناك مظاهر كثيرة أخرى تضافرت على إبراز هذه الوحدة منها؛ استبعاد رسم الإنسان، وعدم تقليد الطبيعة، والاهتمام بالزخرفة والتزيينات الهندسية، وعدم التفكير في إقامة التماثيل والأصنام.
2 - إن وظيفة الفن هي صنع "الجمال"، وحين يبتعد الفن عن أداء هذه الوظيفة، فإنه حينئذ لا يسمى "فنا" ذلك أنه تخلى عن عمله الأصيل، وقد نسميه "مهارة" أو " دقة" .
3 - للفن في التصور الإسلامي غاية وهدف إذ كل أمر يخلو من ذلك فهو عبث وباطل، والفن الإسلامي فوق العبث والباطل، فحياة الإنسان ووقته أثمن من أن يكون طعمة للعبث الذي لا طائل تحته.
4 - إن الغاية التي يهدف الفن الإسلامي إلى تحقيقها، هي إيصال الجمال إلى حس المشاهد " الملتقي "، وهي الارتقاء به نحو الأسمى والأعلى والأحسن؛ أي نحو الأجمل، فهي اتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق والإنتاج، ورفض للهبوط، فالإسلام إذن لم يكن يوما ضد الفن، ولكنه ضد الوثنية بأشكالها وأنواعها، وقد وقف ومازال يقف حائلا بين الإنسان وهبوطه لمهاوي الضلال والهلاك.
5 - للفن شخصيته المستقلة، فليس هو فرعا من الفلسفة، أو فرع من فروع العلم – وإن كان العلم هو بعض ما يحتاجه الفنان - ولذا فليس من مهمات الفن البحث عن الحقيقة أو الكشف عنها. وحينما يطلب إليه ذلك فلقد حمل ما لا طاقة له به، فقد يحدث أن يكون الفن في بعض الأحيان طريقة لاكتشاف حقيقة ما، ولكن هذا ليس مهمة دائمة يكلف بها؟ إن الذين جعلوا اكتشاف الحقيقة من أغراض الفن، دفعهم إلى ذلك تصورهم الخاطىء عن تحديد مكانة الفن ومهمته.
6 – إن الفن الإسلامي ينبع من داخل النفس، فتجيش به العواطف والأحاسيس، فإذا به ملء السمع والبصر، وهو بهذا تعبير عن الالتزام، وليس صدى لإلزام قهري أو أدبي .
7 - إن ساحة الجمال في الإسلام هي الوجود كله، وأن الإسلام أوصل الجمال إلى مجالات لم يعرفها من قبل، ونؤكد هنا أن ساحة الجمال نفسها هي ساحة الفن، وهي ساحة لا تضيقها الحدود، ولا تحصرها الحواجز، ذلك أنها مساحة منهج التصور الإسلامي.
مدير التحرير
عز الدين بن زغيبة