لماذا يحرمون علينا النسل العلمي
لماذا يحرمون علينا النسل العلمي
شهد العالم العربي والإسلامي, ولا يزال, موجة كبيرة من نزيف الأدمغة والعقول النيرة, سواء كان ذلك طوعا أو كرها, فمن الناس من يكون له حظ في التفوق العلمي فتقوم بلاده بإرساله إلى الغرب قصد إثراء معلوماته, وتمكين عبقريته, وتحصين تكوينه, وتمكينه من ناصية اختصاصه, وتنفق عليه ألاف الدولارات أملا منها أن يكون هؤلاء عماد الدولة ومرتكزها في التطور والازدهار, ولكن الرياح تجري بما لايشتهي السفن في كثير من الأحيان .
فمنهم من تستهويه الحياة خارج وطنه, فلا يفكر في العودة إليه بسبب ما يوفر له في بلاد المهجر من بيئة علمية, وبحثية, وعملية, وتسهيلات, وملذات, وخدمات, عن قصد من تلك الدول, طلبا لزبدة فكره وخلاصة علمه وثمرة تجاربه وعمله, ومثل هذا الأسلوب لا تقاومه إلا المبادئ الثابتة في إيمان راسخ في الهوية والوطن .
ومنهم من يغمر قلبه بحب دينه ووطنه ولسان قومه, فلا يغريه ما أعد له من متكأ ومخبر, ويفضل مسقط رأسه على غيره, حتى ما إذا حمله ذاك الحماس الوقاد والشوق الفياض في رؤية الوطن على ما يحب, وجاء إلى المرغوب والأمل المنشود, فلم يجد مما كان يأمله شيئا, ولم يلق من المعاملة إلا أمرا, ولسلطان علمه رفضا, فولى المخيب مدبرا من حيث أتى, فهيئ له ما أراد من وسائل البحث والعمل والزاد, وحشر الناس له أجنادا ولسان حالهم يقول : هذا ماتريد, ولنا نيل المراد, فيجعلون منه للازدهار سلما, وللرقي متخذا للأسباب .
ومن الناس من يكون مشربه من وطنه, وعلمه من صنعة أبنائه, حتى إذا استوى على سوقه وأينع ثمره, آثر غيره بالجذاذ عليه, ففضل الاغتراب على البقاء, فوجد ما وجد من سبقوه, ولقي ما لقوا .
ولكن هؤلاء وهؤلاء لو أرادوا أن يكون لعلهم متصلا, وبعد موتهم نسلا من تلاميذهم, يرثون علمهم, ويذكرون اسمهم, ويحملون فكرهم ونظرياتهم, لن يجدوا لذلك سبيلا؛ لأن الذي آواهم واستفرغ علمهم واستنفذ جهدهم لايرغب أن يكون لهم بعد موتهم بينهم وبين علمهم نسبا, ولا في الخلق ذكرا أو خبرا, ولا في صناعة التاريخ أثرا؛ لأنهم مسلمون وعرب, ولا يستحقون أن ينسب إليهم ذلك .
هذه الحقيقة التي قد يدركها كثير ممن عانوا من لظاها, ولكن ماذا أعددنا للخروج منها ؟
والله الموفق لما فيه الخير والصواب .