نحن والعلم في المعايير الدولية هل يلتقي الخطّان يومًا؟
نحن والعلم في المعايير الدولية هل يلتقي الخطّان يومًا؟
إنّ ما نقصده بالعلم في المعايير الدولية تلك المعايير والمؤشرات التي يرتكز عليها خبراء المنظمة العالمية, للتربية والثقافة والعلوم في تحديد المستوى التعليمي, والعلمي, لأي مجتمع أو دولة أو أمّة, فهولاء يعتمدون على معايير عديدة منها: عدد الجامعات والمعاهد ومراكز البحث في الدولة, ونسبتها مع السكان. وكذا عدد العلماء وعدد الحاصلين على الشهادات العليا, وكذا الحائزين على الجوائز العالمية, مثل جائزة نوبل وغيرها، ومدى مساهمة هؤلاء في الاكتشافات والاختراعات العلميّة التي ينشدها العالم، ويتم تحديد نسبة هؤلاء مع عدد السكان، التي يفترض أن تكون 1/10000 شخص .
وكذا عدد الدوريات العلميّة المعتبرة التي تصدر عن تلك الدولة، وعدد الإصدارات العلميّة التي تصدر عنها سنويا، و عدد الأبحاث العلميّة التي يقوم بها أبناء البلد والدوريات العالمية، التي تنشر فيها. كما يتم النظر في مدى عناية الحكومة بالناحية التعليمية والبحثيّة، وموقع ذلك من أولياتها وقيمة المخصصات للبحث العلمي ونسبتها من الدخل الوطني للعام، وكذا عدد الجوائز التشجيعيّة والتقديرية التي تمنحها الدولة والقطاع الخاص لتشجيع البحث العلمي وتطويره.
ولو سأل أي مواطن عربي نفسه أين نحن من هذه المعايير؟ وما حقنا منها؟ وهل فينا من يسعى إلى تحقيق بعضها أو معظمها؟ وهل تفكيرنا الاستراتيجي متجه نحوها أو مجافٍ لها؟ وهل مفهومنا للثقافة وتفسيرنا لعناصرها منسجم معها ؟ وهل نبوئها مكان الريادة في مخططاتنا وميزانياتنا ؟ وهل لدينا الاستعداد الكافي للإنفاق على البحث العلمي، وإن أدركنا أن أعماله قد تنجح وقد تخفق، لوجد الإجابة أننا وهذه المعايير على خطين متوازيين، لا يعلم التقاءهما إلا الله سبحانه وتعالى.
ولعل من أكبر المشكلات، وأكثرها تعقيدا في هذا المجال في بلادنا العربية، التفكك الرهيب الحاصل بين المؤسسات العلميّة ومراكز البحث من جهة، والمؤسسات الصناعية والإنتاجية من جهة أخرى.
وهنا لا ننسى القطاع الخاص، الذي لا يوجد في قاموسه مفردات تشجيع البحث العلمي، أو التطوير التكنولوجي، اعتمادًا على الكفاءات الوطنية والمؤسسات العلميّة المحليّة.
ويظهر هذا الأمر جليًّا في الارتباك الواضح والتردد الكبير الذي يطبع تصرفات المؤسسات الحكوميّة تجاه هذه المسألة، حيث إنها لم تبد حتى الآن رغبة أكيدة وشجاعة كافية في احتضان الباحثين وتبني مشاريعهم العلميّة، وتحمل أعبائها المالية، نظريًّا ومخبريًّا، أو على الأقل التنسيق مع الجامعات، ومراكز البحث ومساعدتها ماديًّا ومعنويًّا لإنجاز الأعمال الممكنة.
بينما نجد في الغرب أن التعاون القائم بين الجامعات، ومراكز البحث والمؤسسات الصناعية، حكومية كانت أو خاصّة، هو القاعدة الأساس الذي ترتكز عليه تلك الدول في تقدمها العلمي، وتطورها التكنولوجي، وازدهارها الصناعي ونموّها الاقتصادي.
وإلى جانب هذا التعاون المحكم الأوصال، القائم بين المؤسسات العلميّة والصناعيّة في الغرب، يوجد لديهم ما يعبر عنه بمجالس التفكير, التي يضم كل واحد منها مجموعة من العلماء في اختصاص واحد، حيث تدرّس المسائل العلميّة المتعلقة بمجال بحثها.وما المشاريع الممكن تقديمها للبلاد من أجل تطويرها، وتمكينها من المنافسة، ومثل هذه الإرادة تكاد تكون مفقودة لدى علمائنا والآثار السلبيّة لهذه الظاهرة بداية على الأداء العلمي لمؤسساتنا، ولا نريد هنا أن نبحث في أسباب ذلك؛ لأنّ هذا باب آخر تحتاج دراسته إلى البحث في عناصر أخرى مرتبطة به أو مؤثرة فيه.
والذي يمكن قولـه في خاتمة هذا الكلمة أننا على يقين من أنّ الخطين سيلتقيان إذا أحكم أمر أربعة من الناس, فاجتمع على التمكين لهذه الأمّة، وهؤلاء هم رجل مكّناه من زمامنا وسلمناه مقاليد أمورنا، ورجل وكلناه بثغر من ثغورنا، وفوّضناه بإدارة بعض مصالحنا، ورجل زاده الله بسطة في العلم فسلمناه عقول أبنائنا، وعلقنا عليه آمالنا، ورجل زاده الله بسطة في المال، وآتاه من فضله، جعلنا فيه بعد الله رجاءنا .
والله الموفق لما فيه الخير والصواب