مقاصد الشریعة والخطاب الإسلامي المعاصر
. الحمد لله المتفرد بنعمة الخلق والإيجاد, المتوحد بمنة الإنعام والإمداد, والصلاة والسلام على خير العباد وعلى آل بيته وأصحابه الأسياد.
إن في فطرة الإنسان قوة يعقل بها طريق الصلاح والفساد, ويتبين بها وجوه الحق والباطل, إلا أن هذه القوة العاقلة لا تستقل وحدها بتمييز المعروف من المنكر , وليس من شأنها أن تتطلع على الحقيقة , ولا أن تدير أعمال البشر على نظام لاعوج فيه , فإنها وإن بلغت في الإدراك أشدها, قد تنبو عن الحقيقة وبعزب عنها وجه المصلحة, ولا تهتدي إلى عاقبة العمل, وربما ألقت على الحسنة نظرة عجلى, فتحسبها سيئة, وقد يتراءى لها الشر في شبه من الخير فتتلقاه بالقبول.
وأمثلة هؤلاء الناس مشهورة حديثا, ومضروبة في كتب التاريخ قديما.
ولما كانت الأنظار تقصر والأهواء تتغلب والعقول تتفاوت وتختلف في تقدير الأمور وتقييمها, وتحديد ما يليق بها ويصلح لأمثالها, ومعرفة مصالحها من مفاسدها, وربما رأت ما فيه حرج على النفس أمرا معتادا, اشتدت حاجة الناس الى مصلح الهي يطلق النفس من قيود الأوهام, ويهديها إلى سبيل الخير, وينذرها عاقبة الإنهماك في اللذائذ.
وهذا وجه من حكمة بعثة الأنبياء عليهم السلام لا يلحقهم به فساد ولا تصيبهم منه مشقة, ولا تنفك عنهم مصالحهم إذا أخذوها من وجهها المشروع وبالكيفية التي وضعت عليها.
ولا ينكر أحد أن الخطاب الإسلامي المتوازن والرشيد هو الذي يقوم على رعاية المصالح ودرء المفاسد, لأن أصول الشريعة وقواعدها وضوابطها وأحكامها قائمة على رعايتهما.
إن هذا الخطاب المنشود لا يزال من القضايا الرئيسة التي تشغل بال كل مسلم مفكر أومن هو دون ذلك من المثقفين الواعين بطبيعة هذا العصر وبما تعانيه الأمة من آلام الجراح التي تثقل جسدها المنهك أصلا.
ولما كان الخطاب الإسلامي هو أداة تبليغ الأمة رسالتها ورؤيتها للكون والحياة إلى الآخر, وإدارة الحوار معه, ووسيلة التواصل بين أبنائها, كان لزاما أن يتحلى هذا الخطاب بجملة من العناصر والميزات الأساسية, يكون بها على خلق عظيم يقترن فيه العقل بالروح, ويلتقي فيه المثال بالواقع, وتجتمع فيه الأصالة بالمعاصرة, خطاب يوازن بين المحلية والعالمية, ويتمسك بأصل التيسير والتوسط والاعتدال, ويقف عند الثوابت ويفتح باب الاجتهاد لأهله لمواكبة العصر في قضاياه الجديدة, ونوازله المتلاحقة, ويجمعها كلها رعاية مقاصد الشريعة.
من يرغب في الحصول على البحث كاملا فإننا ندعوه بكل لطف وتقدير للتسجيل في الموقع هنا