من روائع الإسلام تربية المؤمنين على الإحسان للأنام
من روائع الإسلام تربية المؤمنين على الإحسان للأنام
قال الله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) قال العلماء وهذا عام , يشمل جميع الناس والنظر فيه من جهة الإنسانية الراجعة إلى أصل التكريم لبني آدم ،في قوله تعالى:" ولقد كرمنا بني آدم " بل ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأن للمحارب حظاً من الإحسان الذي لا يؤدي إلى تعظيم شعائر الكفر أو الإعانة على الباطل أو ما يدل على مودتهم واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في وصفه للأبرار (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا) , ومن المعلوم أنه لم يكن وقت نزول الآية أسيراً إلا الكافر المحارب.
وبناء على هذه المعاني المبثوثة في الأصلين الإلهي والنبوي قال ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه إيثار الحق على الخلق " : وأما المخالقة والمنافعة وبذل المعروف وكظم الغيظ وحسن الخلق واكرام الضيف ونحو ذلك فيستحب بذله لجميع الخلق إلا ما كان يقتضي مفسدة كالذلة فلا يبذل للعدو في حال الحرب ، أما في غيرها فالأمر مختلف كما أشارت إليه الآية: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين"
ومن ثم فالواجب على المسلم أن يُخالق الناس بخلق حسن، حيثما كان في بلاد المسلمين أو خارج بلاد المسلمين، فقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم كما دل عليه الحديث، وأول بركات حسن الخلق أنه يفتح لصاحبه مغاليق القلوب، ويؤلف عليه النفوس فتُصغي إليه وتقدر منهجه ودعوته، ويكون ذلك طريقاً قاصداً لقبولها للإسلام أو لحسن الظن به وعدم معاداته على الأقل، وقد أمرنا الله عز وجل بالبر والقسط بالمسالمين لنا من غير المسلمين . وقد أوصانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالجار ولو كان من غير المسلمين، فقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) والجار الجنب في بعض أوجه تفسيره هو الجار غير المسلم، وكلنا يعلم قصة اليهودي الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرفق به ويحسن إليه ولا يُقابل إساءته بمثلها وكان ذلك سبباً في إسلامه، وقيل في الصاحب بالجنب تفاسير عديدة ومنها الذي يلصق بك رجاء خيرك.
والذي تلتقي عليه كلمة العلماء في هذا المقام أن غير المسلمين لهم حق الجوار وحق الدعوة، فحق الجوار يقتضي الإحسان إليهم، وحق الدعوة يقتضي الصبر عليهم ومداراتهم وتألف قلوبهم بالإحسان إليهم، ولا تعارض بين هذا الذي نقول وبين الولاء الذي جعله الله وقفاً على أهل الإسلام وحدهم، فإن الموالاة المحرمة شيء وحسن الخلق الواجب والمأمور به شيء آخر،، وأما إن قُصد بحسن الخلق ما هو أبعد من ذلك كاتخاذ غير المسلمين بطانة من دون المؤمنين، وخاصة خلطاء يُفضي إليهم المرء بمكنون نفسه ويتابعهم ويقرهم على ما هم عليه ويعينهم على مذاهبهم الباطلة ويسكن إليهم في مشورته وتدبير أموره دون بقية المسلمين فهذا الذي حرمه الله ورسوله , علماً بأن الولاء يعني المحبة الدينية والنصرة على الدين وعلى هذا فلا يلزم من حسن الخلق والمعاملة الولاء , وينبغي التفريق بين البغض في الله وكراهة المنكر وبين أداء الحقوق والواجبات وحسن الخلق , وقد يُعامل المؤمن جميع الناس بالإحسان اللائق بمقام كل ملة واللائق بمقامه وشرفه كمسلم مؤمن
والله أعلى وأعلم بالحق والصواب