مالك بن أنس وإنجازاته في بناء صرح الفقه الإسلامي
مالك بن أنس وإنجازاته في بناء صرح الفقه الإسلامي
التمهيد
إن مالك بن أنس رضي الله عنه من الجهابذة الأعلام الذين اعتنى بسيرتهم العلماء قديماً وحديثاً، فلا يخلوا كتاب من كتب التراجم إلا وللإمام مالك فيه نصيب وافر، بل أفرد له ثلة من العلماء تآليف خاصة به، ومن هؤلاء؛ جلال الدين السيوطي، والزواوي الجزائري، وأبو زهرة، ومصطفى الشكعة، وعبد الغني الدقر، ومحمد محمد عويضة، وأمين الخولي وغيرهم كثر، فلم يتركوا كبيرة ولا صغيرة من سيرته إلا وتكلموا فيها وبسط القول في تفاصيلها، بل خاضوا في عمق الخلاف في بعض جزئياتها فمحصوا ودققوا وقدموا للناس ما رأوه الأصح.
وبناء عليه يكون جل تركيزنا على الإنجازات العلمية والإضافات الفريدة التي قدمها الإمام مالك – رضي- الله عنه في بناء صرح الفقه الإسلامي.
فسوف نتحدث عن تأسيسه للأصول التي بني عليها مذهبه فيما بعد ونسب إليه، ونغوص بالبحث في مسألة المصطلح الذي أسسه مالك رضي الله عنه، وما وضع فيه من إبداع لم يسبق إليه، وسار الناس بعده عليه، ثم نتحدث عن موضوع التبويب الفقهي الذي سلكه مالك وجعله منهجاً في عمله الفقهي، ليمضي هذا العمل بعده سنة ملتزمة عند جمهور الباحثين والمتكلمين في الفقه، ونختم الحديث عن هذه الإنجازات والإبداعات بذلك العمل الجليل الذي قام به مالك وسانده فيه الجمهور من أصحابه ألا وهو تدوين المذهب.
فنحن عندما نتحدث عن مالك رضي الله عنه، إنما ندرس إنساناً خاصاً له مقومات عليا فوق المقومات التي يشترك فيها مع كل إنسان، وإذا كنا ندرس إنساناً خاصاً فالاتجاه الأول إلى هذه الخاصة التي اختص بها فإن اختص بالفقه كان الفقه موضع الدراسة أولاً، والحياة الإنسانية الخاصة التي مهدت له هذه الخاصة العلمية موضع الدراسة ثانياً([1])، وذلك من حيث الاعتبار وتركيز البحث لا من حيث الترتيب الموضوعي والمنهجي فهذا أمر معلوم محسوم، وعلى هذا يكون عملنا وبالله التوفيق.
([1]) – أبو زهرة، مالك حياته وعصره آراؤه وفقهه، ص.٤.