الشيخ أبو بكر الهاشمي: درة حيدر أباد في جوار ربه
الشيخ أبو بكر الهاشمي: درة حيدر أباد في جوار ربه
في مساء يوم الخميس 25 ربيع الآخر من عام 1429 هـ الموافق لـ: 1 مايو 2008م, ولج ليل حيدر أباد في نهارها وأرجاء المدينة تهتز على وقع خبر أليم, ألا وهو وفاة شيخها وعالمها وكبير المحققين بدائرة المعارف العثمانية, الشيخ أبو بكر الهاشمي رحمه الله.
ولد رحمه الله تعالى بحي حسيني علم, بمنطقة جلال كوشه بمدينة حيدر آباد, في شوال عام 1358 هـ الموافق 1938م, وبدأ حياته التعليمية في بيته على يد المحقق الكبير العلامة أبو الوفاء الأفغاني رحمه الله تعالى, - رئيس لجنة إحياء المعارف النعمانية - وقرأ عليه الكتب المنهجية الابتدائية, ثم التحق بالجامعة النظامية المجاورة لبيته بحيدر آباد للدراسات الثانوية، وتعلم فيها نحو ستة أشهر, ثم سافر إلى مدينة كولكته عاصمة ولاية البنغال, حيث التحق بالمدرسة العالية, ودرس بها ست سنوات, ثم سافر إلى مدينة ديوبند بولاية أوترابرادتش لاستكمال دراسته العليا بها, حيث التحق بدار العلوم ديوبند, وأكمل دورة الحديث الشريف في سنتين ( حسب المنهج المعتمد بدار العلوم للحصول على الشهادة العليا في الحديث ) , كما درس المنطق في سنة واحدة, وانتهى من مشواره التعليمي في عام 1963 م.
ثم رجع بعد ذلك إلى حيدر آباد, ليبدأ رحلة تحقيق التراث بدائرة المعارف العثمانية, وقد كان ذلك في عام 1965م, حتى صار كبير المحققين فيها, وبقي على تلك الوظيفة إلى أن وافته المنية, كما شغل منصب نائب رئيس لجنة إحياء المعارف النعمانية, وبعد وفاة الشيخ أبو الوفاء الأفغاني رئيس اللجنة عين رئيسا لها, كما عين عضوا في المجلس التنفيذي للجامعة النظامية, وكان مشرفا على مدرسة دينية في مدينة ناكفور..
ولما زاره وفد علمي من المملكة العربية السعودية في دائرة المعارف العثمانية أعجبوا بعلمه, وطلبوا منه القدوم إلى المملكة للتدريس,فوافق على ذلك , فانتدب مدرسا لللحديث الشريف بجامعة الإمام بالرياض, حيث مكث هناك ثلاث سنوات, ثم رجع إلى الهند في وظيفته القديمة بدائرة المعارف العثمانية, وقد منحته الحكومة الهندية في عام 2006 م جائزة رئيس الجمهورية على خدماته الجليلة للغة العربية.
وقد كانت له جهود كبيرة في المحافظة على التراث الإسلامي ونشره, فحقق كتبا كثيرة, من أهمها "كتاب الأنساب" للسمعاني, كما شارك في تحقيق العديد منها, مثل الفتاوى التاتارخانية, والفتاوى النظامية, وغيرهما.
وقد قام, عليه رحمة الله, ببناء مسجدين أحدهما في مسقط رأسه والثاني في القرية المجاورة لها
ونشهد بأن الرجل كان له تعاون كبير مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في مشروعه لحفظ التراث الإسلامي بحيدر أباد, حيث كان الوصول إلى عدد من المكتبات عن طريقه وبتوصيته وتزكيته.
وقد كانت علاقته بالشيخ عبد الفتاح أبو غدة قوية جدا, حتى إن هذا الأخير كان يزور حيدر أباد من أجله, ومما حدثنا به الشيخ أبو بكر الهاشمي في هذا الباب؛ أن الشيخ عبد الفتاح جاء لحضور مؤتمر علمي في دلهي عاصمة الهند وهي تبعد عن حيدر أباد بـ: 1600 كلم, وبعد انتهاء أعمال المؤتمر سافر إلى حيدر أباد بالقطار ليزور الشيخ أبو بكر الهاشمي, ويقول: الشيخ أبو بكر طرق باب بيتي في الساعة السادسة صباحا فخرجت فإذا هو الشيخ عبد الفتاح فسألته لماذا لا تخبرنا بقدومك؟ فأجاب: إن الحب يأتي فجأة.
وقد التقينا بعض زملائه في دائرة المعارف العثمانية بعد وفاته, وتحدثنا إليهم عن خصال الشيخ رحمه الله, فكان الكل يثني عليه خيرا, ومن بينهم رفيق دربه في التحقيق الأستاذ عمران الأعظمي, ومدير دائرة المعارف الدكتور شاهد علي عباسي, وغيرهما، وقد وصف هذان الصاحبان الشيخ, رحمه الله, بعبارات معبرة منها:
أنه كان ميالا إلى فعل الخيرات, كثير الإنفاق على الفقراء والمحتاجين, حيث كان لا يرد سائلا ولو أعطاه قليلا
وكان صاحب خصال جليلة, يجتنب مخالفة الناس, ويحفظ لسانه عن إيذائهم, يصل ليله بنهاره في خدمتهم, صاحب رأي سديد, وكان دقيقا جدا في التحقيق والتدقيق, ووفاته تعد خسارة كبيرة للعلم ولدائرة المعارف العثمانية.
يقول عمران الأعظمي إنني عملت معه أكثر من أربعين سنة, ولا أذكر إساءة وصلتني منه من يد أو لسان, لقد مضى أسبوعان على وفاته, فما هنأ لي طعام ولا شراب, وأحس فراغا رهيبا في حياتي, لقد كان صاحب سري, وكنت صاحب سره, وما كان أحد يتوقع بأنه يفارقنا بهذه السرعة.
إنا لله وإنا إليه راجعون, وتغمد الله الفقيد بواسع رحمته