محمد رجاء ( روجيه غارودي) رحل الرجل الذي تعرف العرب وطأته والعجم
محمد رجاء ( روجيه غارودي) رحل الرجل الذي تعرف العرب وطأته والعجم
في سنة 1913م كانت مدينة مرسيليا بالجنوب الفرنسي على موعد مع التاريخ بميلاد مفكرٍ وفيلسوف من عائلة ملحدة, حيث لم يخطر ببال فرنسا الرسمية ولا فرنسا النُّخبةِ أن هذا القادم الجديد سيكون أحد قادة الفكر الإسلامي المستميتين في الدفاع عنه, وأشد مضاضةً على الحضارة الغربية والفكر الصهيوني من وقع الحسام المهند.
والرجل لم يكن يستسيغ حياة الإلحاد التي كانت عليها عائلته, وكان يرى أن هناك في الوجود معنىً لابد أن يرتبط به الإنسان, فالحياة ليست مادة فقط, ولذلك نجده التحق مبكرًا (في شبابه) بالبروتستانتية قبل أن يلتحق بالكاثوليكية في مطلع سبعينيات القرن الماضي, فالرجل كانت تراوده فكرة وحدة الأديان منذ شبابه, حيث نقل عنه قوله: « أشد ما يحملني على الفخر هو تمسكي بالحلم الذي راودني في سن العشرين, أعني وحدة الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والإسلام»؛ لأنه كان يعتقد أن الإجابة على سؤال معنى الوجود الإنساني وحقيقة العلاقة بين الإنسان والكون والحياة, لا يمكن الحصول عليها من خلال المذاهب البشرية, وإنما هي تكمن في فكرة وحدة الأديان, فلعل المعنى الجامع بين هذه الأديان يكون قادرًا على الإجابة على هذا السؤال.
ومع استمرار رحلة البحث عن هذه الحقائق والمعاني والتنقير عنها في المعارف الدينية والروحية للأديان وقيمها الحضارية, تبيَّن للرجل أن ما يبحث عنه يوجد بتمامه وكماله في الدين الإسلامي الحنيف, وهو ما قاده إلى اعتناق الإسلام وإشهاره في الثاني من جوان (يوليو – تموز) سنة 1982م بالمركز الإسلامي بجنيف, حيث قال حينها: إنه كان في ما سبق من مراحل حياته يبحث عن معنى معينًا لم يجده إلا في الإسلام, وإنه وجد أن الحضارة الغربية قد بنيت على فهم خاطئ للإنسان.
وقد كان هذا التحول الجديد في حياة الرجل نقطة انعطاف كبيرة, بل هي أكبر بكثير من التحول الذي أحدثته مسألة انشقاقه عن الحزب الشيوعي سنة 1968 م, وما تبعها من انتقادات شديدة ومرة للاتحاد السوفياتي وسياساته آنذاك, وكذا الحزب الشيوعي الفرنسي ورئيسه جورج مرشي, مما أدى إلى فصله منه بشكل رسمي سنة 1970م، فراح يقلِّب ثنايا المعارف الإسلامية ويكتشف عمقها وإنسانيتها, ويعجب بمدى تلاؤم منظومة المعارف والقيم لهذا الدين مع الإنسان والكون والحياة, فشكل ذلك لديه أساسًا مكينًا وحصينًا ينطلق منه في معالجة قضايا الإنسان والمجتمعات، فكان ضاريًا على الحضارة الغربية وأربابها, وكذا الصهيونية ومحترفيها, وكشف أكاذيبهم وألاعيبهم وخداعهم للرأي العام، مما عرضه للمضايقات وملاحقات قضائية وهجومات شرسة, ولكن كل ذلك لم يثنه عن غايته وهدفه, فأخرج للبشرية دراسات ومؤلفات يجمع ذو الحكمة والبصيرة على أنها كانت أشد وقعًا على أعداء الإسلام والقيم الحضارية للإنسانية من وقع الحسام المهند.
وأهم هذه الدراسات والبحوث هي:
- الإسلام دين المستقبل:
لقد تحدث في هذا الكتاب عن الأسباب التي أدت به إلى اختيار الدين الإسلامي؛ وذلك لما يتمتع به هذا الدين من شمولية كبرى في معالجة قضايا الإنسان والمجتمع والحياة, وقدرته على استيعاب جميع الشعوب ذات الديانات المختلفة.
- الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية.
هذا الكتاب المرجعي الشهير الذي دافع فيه عن نظرية «المؤامرة الصهيونية» التي يعتقد إنها اختلقت ما يعرف بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست) على أيدي النازيين, وهي المسألة التي أدت إلى محاكمته سنة 1998 من قبل محكمة فرنسية.
- الأرهاب الغربي:
وقد انتقد في هذا الكتاب المبادئ التي تأسست عليها النهضة الأوروبية, وكيفية تحولّها إلى وحش يفتك بسكان العالم الآخر, إلى سكان أمريكا الأصليين إلى بلاد الهند. فيبيّن المبادئ السامية لهؤلاء الأقوام والتي أطلق عليها الغرب لقب البرابرة والهمج.
- ما يَعِدُ به الإسلام.
- الإسلام دين المستقبل.
- لماذا أسلمت.. نصف قرن من البحث عن الحقيقة.
- الأصوليات المعاصرة أسبابها ومظاهرها.
- محاكمة الصهيونية الإسرائيلية.
- حفارو القبور.. الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها.
- الولايات المتحدة طليعة الانحطاط.
- حوار الحضارات.
- كيف نصنع المستقبل؟
لقد رحل الرجل عنا يوم13/6/2012م، مخلفًا وراءه إرثًا علميًا وفكريًا زاخراً. فنسأل له الله الثواب والمغفرة ومقامًا عليًّا في الجنة إنه سميع مجيب.
الدكتور عز الدين بن زغيبة
مدير التحرير