أعمال جليلة في تدوين السيرة النبوية
أعمال جليلة في تدوين السيرة النبوية
مهما تحدث النقاد في موضوع تدوين السيرة النبوية، فإنه لا يمكن أن ننكر تلك الأعمال التي حاول أصحابها تقديم صورة دقيقة عن هديه وأخلاقه وعمله وتصرفاته في أهله وجواره, ومع صحابته وعشيرته وسياسة أمته في الحرب وفي السلم وفي جميع مناحي الحياة, ونذكر هنا العملين الكبيرين الجليلين اللذين قام بهما العالمان الجليلان ابن القيم الجوزية المتوفى سنة 753 هـ, والعلامة شبلي النعماني وتلميذه محمد سليمان الندوي بالهند.
العمل الأول: ويتمثل في " كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد " الذي ألفه ابن القيم الجوزية؛ حيث يعد هذا العمل من أول وأقدم ما ألف في فقه السيرة النبوية المطهرة, إذ لم يكتف فيه المؤلف بسرد سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع مراحل حياته كما يفعل عامة المدونين, بل قام باستنطاقها، وتتبع كثير من تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم, فاستنبط منها الأحكام, وذكر أقوال العلماء في مسائل فقهية كثيرة, كما تعرض فيها لدراسات حديثية قيمة لإثبات بعض الأحكام, ورد بعض الآراء, فلم يكن يترك مجالا للتعليق أو الاستنباط أو الإيضاح إلا استفاد منه, هذا إلى جانب فوائد علمية يقف عليها مطالع الكتاب, وكذا التحقيقات الدقيقة التي تدل على سعة علم ابن القيم وحفظه, فعد كتابه فريدًا فيما صنف قبله وما بعده.
العمل الثاني: ويتمثل في " كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" الذي ألفه شبلي النعماني، وأكمله تلميذه محمد سليمان الندوي بعد وفاته, والكتاب باللغة الأردية، ولم يترجم منه إلى العربية إلا مقدمته الموسومة بـ: " مقدمة في فن السيرة "، وقد قام بترجمتها الدكتور محمد علي غوري، وقام مركز جمعة الماجد بطباعتها.
وقد جاء الكتاب في خمسة أجزاء, فيه علم غزير, واستدراك كثير, وتحقيق وتدقيق للعديد من الوقائع والأحداث, وتأريخ للتشريع في عهده صلى الله عليه وسلم, إلى جانب فقه جم ومعاني سامية, وقد وصف مؤلفه مضمون أجزاء كتابه فقال:
قسمت هذا الكتاب على خمسة أجزاء، وهي:
الجزء الأول: ويتكون من بابين. الباب الأول يشتمل على نبذة مختصرة عن أوضاع العرب قبل الإسلام، وتاريخ الكعبة، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ولادته وحتى وفاته، وما جرى فيها من أحداث وغزوات. والباب الثاني يشتمل على عادات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، وعلى الحديث عن أولاده وأزواجه الطاهرات.
الجزء الثاني: خاص بالنبوة ووظيفة الأنبياء، وهي تعليم الناس العقائد وتبليغهم الأوامر والنواهي، وتزكيتهم وتطهيرهم؛ لذلك خصصت هذا الجزء للنبوة ووظائف الأنبياء. وبالإضافة إلى ما سبق يحتوي هذا الجزء على أركان الإسلام الخمسة، وكيف كانت بداية الأوامر والنواهي، وما أصابها من نسخ وتغير مع تغير الزمان والمكان، والمصالح المرجوة من ورائها والحكمة منها، ومقارنتها مع الأوامر والنواهي في الأديان الأخرى. واستعرضت في هذا الجزء أيضًا –وبالتفصيل- عقائد العرب وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم قبل الإسلام، وكيف أصبحت بعد الإسلام، والأصول والقواعد التي وضعها الإسلام لإصلاح البشرية وهدايتها، وأسباب صلاحها لكل زمان ومكان.
الجزء الثالث: عن المراحل التي مرّ بها تدوين القرآن الكريم، ووجوه إعجازه، وحقائقه وأسراره.
الجزء الرابع: فيه حديث عن المعجزات. فقد درجت كتب السيرة الأولى على تخصيص باب للمعجزات، والحاجة اليوم ماسة إلى الكتابة عنها بشكل مستقل؛ حيث إن الحديث عن المعجزات لم يعد قاصرًا عليها، فقد جدت الحاجة إلى الحديث عن حقيقتها وإمكانية حدوثها. وأما المعجزات التي نعلم زمن وقوعها، مثل معجزة المعراج وتكثير الطعام، فقد تحدثت عنها في موضعها حسب تسلسل الأحداث.
الجزء الخامس: عن المؤلفات الغربية؛ أي ما كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي في أوروبا، وعن مصادرهم التي استقوا منها معلوماتهم، وعن أسباب خطئهم في فهم الأحداث التاريخية، وعن قضايا الدين الإسلامي التي أخطأوا فيها، وعن الشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلوكه، والرد عليها.
وفي النهاية نقول إن الكتابين عظيمان في بابهما، فكتاب ابن القيم متوافر ومطبوع ومخرج الأحاديث، أما الكتاب الثاني فقد ذكرت أعلاه أن مقدمته مترجمة للعربية أما الكتاب نفسه فقد طلبنا من الدكتور محمد علي غور ( مترجم المقدمة ) أن يقوم باستكمال ترجمة الكتاب كله نظرًا لأهميته البالغة للمسلمين، وقد وافق على ذلك، وكان هذا الأمر قبل سنتين أو يزيد، وإننا نأمل أن ينجز هذا العمل في القادم القريب إن شاء الله.
والله الموفق لما فيه الخير والصواب
د. عز الدين بن زغيبة
مدير التحرير