السيرة النبوية: رؤية في إعادة التدوين
السيرة النبوية: رؤية في إعادة التدوين
تعد السيرة النبوية من المصادر الرئيسة في حياة المسلمين إلى جانب القرآن والسنة من حيث؛ التشريع, والسلوك, والتنظيم, والاجتماع وما يلحق به من توابعه, وقد كان الناس ولا يزالون يجتهدون في استلهام تفاصيل حياتهم اليومية من تلك السيرة العطرة, وسيستمرون في ذلك ما بقي على وجه البسيطة رجل يقول ربي الله .
وقد تصدى لتدوين السيرة الشريفة, وكتابة تفاصيلها, واستنباط معانيها, خلق كثير من العلماء على مر العصور, متحرين في ذلك أقصى درجات الضبط والأمانة في الرواية. والنقل, ولا يلتفت هنا إلى أولئك الذين خرجوا عن هذه المعايير في أعمالهم .
لكن المثير للانتباه, هو المنهج الذي سلكه المدونون, والكتاب للسيرة النبوية الشريفة, في كتابتها وبخاصة في العهد المدني, حيث اختزلوا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العهد في الغزوات والسرايا فقط, عند أغلب من تصدى لكتابة هذه السيرة, والسبب واضح, أن الكل قد اعتمد على المدونين الأوائل مثل؛ ابن اسحاق, والواقدي, وغيرهم, وهؤلاء هم أصحاب هذا السلوك في رواية السيرة النبوية وتدوينها, فقد ركز هؤلاء عملهم على الجانب العسكري تركيزا شديدا, فتجدهم يتحدثون عن غزوة بدر بأدق تفاصيلها ومجرياتها, ثم ينتقلون بعد ذلك إلى غزوة أحد, فإذا فرغوا من تفاصيلها انتقلوا مباشرة إلى غزوة الخندق ( غزوة الأحزاب ), وهي ثلاثة أحداث عسكرية وقعت في مدة قدرها 6 سنوات, بغض النظر عن عظم الحدث العسكري وضعفه, وللمرء أن يسأل نفسه كم من الوقت استغرقته هذه الأحداث من تلك السنوات, لوجد ذلك لا يتجاوز مدة بسيطة جدا من ذلك الوقت, وهل هذه الأحداث كافية لإعطاء صورة كاملة عن حياته صلى الله عليه وسلم .
إنه لا يختلف اثنان في أن المنهج الذي سلكه المدونون الأوائل في تدوين السيرة النبوية لم يكن كافيا في تمكين المسلمين من الصورة الدقيقة لسيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم بل كان قصور هذا المنهج كبيرا في إظهار الوجه غير العسكري لسيرته صلى الله عليه وسلم وبخاصة في العهد المدني كما أشرنا من قبل, ولم نر حتى الآن عملا ناجحا تمكن من تخطي هذا القصور البين والفراغ الكبير على الأقل فيما كتب باللغة العربية .
وقد كان لهذا المنهج أثر كبير في بنية التفكير لدى المسلمين, الذين أصبحوا ينظرون للسيرة النبوية من زاوية المدونين الأوائل, وبمعزل عن السنة الشريفة, حيث غطت مظاهر القوة المعاني الإسلامية السامية في سيرته العطرة, مع العلم أن تلك المعاني كانت أوسع زمانا بشكل كبير عن مظاهر القوة في حياته صلى الله عليه وسلم .
ولا يمكن هنا أن ننكر تلك الأعمال التي حاول أصحابها تقديم صورة دقيقة عن هديه صلى الله عليه وسلم في جميع أمور الحياة, مثل ما قام به ابن القيم في كتابه زاد المعاد, وغيره من العلماء, ولكنها لم تكن في بناء متكامل يتناول السيرة النبوية بجميع تفاصيلها
وبناء عليه نرى إعادة كتابة السيرة النبوية بالمنهج اللائق بها, والذي يضمن بإذن الله تدارك هذا الفراغ الحاصل في منهج التدوين المذكور أعلاه, ويوفر لأمتنا مصدرا أكثر ضبطا, وأدق تفصيلا, وأوسع وصفا, وأفضل تنظيما, وترتيبا, حيث يتم فيه تتبع الجزئيات لإدراك الكليات .
والله نسأل التوفيق والسداد لما فيه الخير والصواب لأمتنا