العالم العربي والبحث العلمي متى يلتقيان؟
العالم العربي والبحث العلمي متى يلتقيان؟
إن ما نطق به الرئيس السوداني عمر البشير بالخرطوم حول واقع البحث العلمي في العالم العربي، حيث قال: " إن ما ينفقه العالم العربي على البحث العلمي مجتمعاً، لا يساوي ما تنفقه جامعة واحدة بالولايات المتحدة الأمريكية" لهو حقيقة مرة، وصورة مؤلمة، لكل عربي غيور على أمته.
وإن ما يؤكد هذه الحقيقة، الإحصائيات التي نشرها المؤسسات المتخصصة، حول الإنفاق على البحث العلمي في العالم، حيث كان إنفاق أوربا وأمريكا نحو 3% من دخلها القومي العام، وإنفاق اليهود بفلسطين المحتلة 1.8%، أما إنفاق العالم العربي، فهو0.02%من الدخل القومي العام.
ويعضد هذه النسبة الضئيلة جداً من الإنفاق، الغياب الكامل لمنظومة عربية متكاملة، متناسقة، تشرف على إدارة البحث العلمي، ومتابعته، ورعاية أصحابه، والمنتمين إليه، والسهر على توفير احتياجاتهم الاجتماعية، والاقتصادية، حتى لا يقعدوا بسببها عن مهامهم الاستراتيجية.
بل أن بعض الدول العربية، قد عمدت إلى التخلي عن وزارة البحث العلمي، واكتفت ببعض النوادي العلمية، والمعاهد البحثية، تحت إشراف وزارة التعليم العالي.
أما جامعاتنا التي يفترض فيها أن تكون حاضنة البحث العلمي، ومرتكزة الأساس، وميدانه الفعال، فإنّ هذه المهمة ليست من مفردات قاموس عملها، بل إنك لو اطلعت على مختبراتها، لوجدتها أنها جديرة بأن تكون لطلبة ثانوية عامة، في النظم التي تحترم البحث العلمي ومفرداته، حتى أنك لا تتردد إطلاقاً في الجزم بأن هذه الجامعات أسست لتخريج مثقفين، وليس علماء مؤهلين للبحث العلمي، ولا نتلفت هنا إلى بعض الاستثناءات التي شذت عن هذه القاعدة العربية، لأنّ ذلك لا يغير في الوضع العام شيئاً.
ولقد أدّت هذه العوامل، إلى حصول فقر شديد في مجال تكوين باحثين يتمتعون بالكفاءة اللازمة فمن بين مئتان وخمسون مليون عربي – سكان العالم العربي – لا يوجد إلا سبعين ألف باحث علمي فقط، وقد أدّى هذا الوضع إلى إحراز نتائج مرعبة، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود اختراع واحد لكل عشرة ملايين عربي، بينما يوجد 577 اختراع لكل عشرة ملايين يهودي.
وإذا ما بحثنا في الذي أدى إلى هذا الوضع، لوجدنا أن هناك جملة من الأسباب الداخلية والخارجية.
أما الأسباب الداخلية فهي عديدة ومنها:
- الفقر الشديد في البرامج العلمية، والتجهيزات التقنية، والمعلوماتية التي تعاني منها الجامعات إلى جانب ضعف سعي الحكومات العربية إلى توفر ذلك، إما لأسباب مالية وإدارية، أو أسباب تآمرية، مع جهات خارجية لمصالح شخصية.
- غياب التعاون والتنسيق بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية، والصناعية في الدولة، سواء في ذلك القطاع العام أو الخاص.
- المساهمة المتواضعة للقطاع الخاص في تكاليف البحث العلمي، حيث تصل هذه المساهمة في أحسن أحوالها في العالم العربي إلى 3% بينما تصل في الغرب من 40 إلى 50%.
- غياب مساهمة الإعلام في إشاعة ثقافة البحث العلمي والاختراع، فتوجد لدينا عشرات البرامج، بل القنوات الخاصة بالرقص، والغناء، والمسرح، والسينما، والمنوعات، والرياضة، وغيرها، ولا توجد لدينا برامج بما يليق، أو قنوات متخصصة في مجال البحث العلمي.
- عدم اهتمام الإعلام، بل انفتاحه على الباحثين والمخترعين، حتى يتمكنوا من إبلاغ إنجازاتهم للمجتمع والتخلص من العوائق والعراقيل الإدارية والبيروقراطية.
- عدم وجود هيكل تنظيمي يعمل على تلبية الحاجات الاجتماعية، والاقتصادية، لهذه الفئة حتى تتمكن من التفرغ لمهامها البحثية.
- عدم إقحام هذه الفئة في التصنيف السياسي والحزبي الضيق على حساب المصالح الوطنية، سواء كان ذلك بتصرفات داخلية أو إيحاءات خارجية.
أما الأسباب الخارجية فهي عديدة أيضاً ومنها:
- الاحتجاز غير المباشر للباحثين، والمتفوقين العرب بالجامعات الغربية، ومنعهم من العودة إلى وطنهم، وذلك من خلال الإغراءات التي تعرض عليهم، والأساليب المتنوعة التي تستخدم في تثنيهم عن العودة إلى أوطانهم.
- العمل على نصب الدسائس بين العلماء وحكوماتهم، بسب تمسكهم بالعودة إلى وطنهم، بل ولا ير هؤلاء مانعاً من اللجوء تصفيتهم، مثل ما حصل ويحصل بالعراق.
- منع الشركات الغربية من تصدير بعض التجهيزات التقنية المتطورة إلى العالم العربي، بحجة الاستعمال المزدوج المدني والعسكري.
وغير هذه الأسباب كثيرة، لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها.
ومع هذا كلّه، فإن الأمل في الله كبير أن يستيقظ الضمير العربي، ويستأنف مسيرة الحضارة، التي بدأها أجداده، وتعلمت منها أوربا الكثير، بل بَنَت مجدها على قواعدها المكينة. والله الموفق لما فيه الخير والصواب