جھود مركز جمعة الماجد وتجربتھ في الحفاظ على التراث الإسلامي والعنایة به
جھود مركز جمعة الماجد وتجربتھ في الحفاظ على التراث الإسلامي والعنایة به
يُعدُّ التراث الحضاري لأي أمة في العالم الأساس الذي تبنى عليه مكانتها, وتحدد به هويتها ومسيرتها, كما يعرف من خلاله عراقتها في التاريخ, ونوعية إسهامات رجالها في حركته, ومدى تأثيرها فيه, وتأثرها به, فهو بهذا, إما أن يكون كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء, وإما أن يكون كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
ومما لا يختلف فيه اثنان أن أمتنا من النوع الأول الذي ثبت أصله في أعماق التاريخ, وامتدت فروع حضارته في آفاق الأمم المختلفة, لتمسها بنور علومها, وما كان لهذا أن يكون لولا تلك الحركة الواسعة للعلماء والمخطوطات في جميع الأصقاع والأمصار المختلفة, الإسلامية وغير الإسلامية, فتأسست بذلك خزائن الكتب والمكتبات الزاخرة بالمخطوطات العربية والإسلامية في جميع أحاء العالم.
إلا أن هذا التراث المخطوط قد تعرض لموجات واسعة وقاسية من الإتلاف في كثير من الأحيان أحالت جزءاً كبيراً منه إلى العدم، وفقدت معه الأمة جانباً كبيراً من تاريخها وثروتها العلمية وأقصى به جمهور من العلماء من ذاكرتها, وقد شملت هذه الإبادة مكتبات كثيرة بل تراث مدن بأكملها؛ وقد حصل ذلك بفعل الكوارث الطبيعية التي كان لها دور رئيس في الوضع المأساوي الذي أشرنا إليه, وكذا بفعل الإنسان وكسب يده، أعني بهذا ما فعله الاستعمار في البلاد العربية والإسلامية, وما قام به أعداء الأمة والحاقدين عليها ولو كانوا من أبنائها.
وقد أسهم المسلمون أنفسهم عن قصد أو غير قصد في إبادة جزء من تراثهم المخطوط، فكثير من المكتبات العامة والخاصة التي كتب الله لفريق المركز زيارتها والاطلاع عليها أكثر من 25 دولة عربية وغير عربية تفتقد إلى أدنى وسائل الحفظ وعمليات الصيانة للمخطوطات, وبخاصة في موريتانيا مالي والنيجر والهند وبنغلادش وجميع دول أسيا الوسطى مما أدى إلى تأثر عدد كبير منها حيث أصبح من الصعوبة بمكان الاستفادة منه، بل إن بعض المخطوطات قد أصبح متحجراً لا يمكن فتحه بحال - مثل ما لحظنا ذلك في بعض المكتبات بالهند ( مثال المكتبة المحمدية بمدراس ) - وإن حاول المرء فتحه باستعمال شيء من القوة فإنّ عمله كعمل من يكسر خشبة، أو يفتت طوبًا من الطين، وبعضها يمكن فتحها، لكنك إذا أخذت تقلب صفحاتها فإنك تحيل بيدك ثلث المخطوط بل كله أحيانا إلى العدم، وذلك لهشاشة أوراقه، بل إن طرق الترميم المتقدمة قد لا تفلح في إنقاذه وإعادته للحياة, وهو ما رأيناه بأم أعيننا في مكتبة قسم اللغة العربية في الكلية الجمالية بمدينة ترتشي بولاية تامل نادو بالهند، فإن لون أوراق المخطوطات قد تحول إلى الأسود وذلك بفعل الرطوبة وتحلل الأحبار, وكانت أوراق المخطوط متهالكة، فكنا إذا أخذنا مخطوطا لنطلع عليه سقط جزء منه من أيدينا ترابا, بل إن بعض المخطوطات تم رميها والاستغناء عنها بحضورنا, لعدم إمكانية الاستفادة منها بأي حال من الأحوال, ولما سألنا عن سبب الوصول إلى هذا الوضع تبين أن هذه المخطوطات لم تحرك من مكانها سنين طويلة, ولم تعرف قط صيانة ولا رعاية.
وفي هذا السياق هناك قصة أخرى حدثت معي في الهند أحب أن أرويها لإخواني وهي: في يوم السبت من شهر تموز ( جويله) سنة 2005 كنا عند الشيخ أبو بكر الهاشمي رحمه الله تعالى رحمة واسعة في بيته, وكنا نتحدث عن الأمطار والسيول التي ضربت مدينة حيدر آباد في سنة 1973م، أي قبل سنتين من وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني سنة 1975 م - فهدمت البيت الذي كان يسكن فيه الشيخ أبو الوفاء, وهو جزء من بيت عائلة الشيخ أبي بكر, فأعادوا بناءه من جديد بعد وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني, وكان لما يكتمل بناؤه بعد حتى تلك الزيارة, وهنا حدثنا الشيخ أبو بكر أن هناك مجموعة من المخطوطات التالفة وغير المكتملة وبقايا مخطوطات دفنت في أرض هذا البيت, فسألته هل من الممكن البحث عنها تحت التراب لعل هناك شيئا منها قد ينفعنا, ولو كان غير مكتمل, فنصوره, فأجاب يمكنكم فعل هذا لكن ليس اليوم, بل تعالوا غدا في الصباح وباشروا التنقيب عن تلك المخطوطات, وأردف قائلا: ما حصلتم عليه من المخطوطات وبقاياها فهو لكم بأصوله, ولا أريد منها شيئا, معتقداً أن ما سنحصل عليه مجموعة أوراق مخطوطات لا أكثر, وذلك إن بقي منها شيء.
وفي صباح يوم الأحد – وهو يوم عطلة أسبوعية في الهند- جئنا إلى بيت الشيخ كما اتفقنا معه, وهنا كنا وحيدر آباد على موعد مع التاريخ, حيث شرعنا في عملية التنقيب تمام الساعة التاسعة صباحاً وتحت بصر الشيخ, فأخرجنا منها كل ما وجدنا فيها من المخطوطات وأوراقها, ثم قمنا بتنظيفها من التراب والغبار وفرزها فرزاً أولياً كل ما سهل فرزه منها, حيث تم استخراج 157 مخطوطاً كاملاً سليماً في مادته العلمية, ثم نقلت إلى مقر المركز بدبي حيث تم تعقيمها وتكشيفها حيث تبين لنا نوادرها وفرائدها.
ولولا لطف الله وعنايته وتوفيقه ما كان لذلك أن يكون, فالحمد لله على ذلك حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وقد كان للظروف الطبيعية دور بارز أيضاً في عملية الإتلاف والإبادة التي أصابت المخطوطات الإسلامية، حيث إن عدداً كبيراً من المخطوطات بمنطقة أولف بولاية أدرار بالجنوب الجزائري قد أهلكتها السيول والأمطار الطوفانية التي حلت بالمنطقة سنة 1965 م, ومثل هذا يحدث بشكل كثير ومستمر في كل من باكستان والهند وبنغلادش وإندونيسيا وغيرها من الدول الإسلامية.
ونذكر في هذا المقام إعصار تسونامي المدمر, الذي ضرب دول شرق آسيا والذي وصفه بعضهم - ممن كُتِبَ لهم معايشته, والنجاة منه بقدر الله- بالقيامة الصغرى, فقد نالت المكتبات العامة والخاصة ومعها تراث تلك الشعوب نصيبها من الدمار الشامل الذي أصاب المنطقة.
إن الوضع السالف الذكر الذي مرَّ به تراثنا ولا يزال في أماكن كثيرة يتطلب منا وقفة جادة ومن العاملين في قطاع التراث والثقافة بوجه خاص, ويعد هذا الأمر من العوامل الرئيسة التي دفعت السيد جمعة الماجد( إلى تأسيس مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث.
ولقد أقام المركز عمله في مجال التراث على ركيزتين أساسيتين، هما:
أولاً : حفظ التراث.
1 – حفظ الوعاء.
2 – حفظ المادة العلمية
ثانيا: إحياء التراث.
1 – تهيئته للباحثين.
2 – التعريف به وبيان جهوده في التحقيق والنشر.
من يرغب في الحصول على البحث كاملا فإننا ندعوه بكل لطف وتقدير للتسجيل في الموقع هنا