السيرة النبوية والحياة الإسلامية ضرورة تغيير منهج التدوين وإعادة الصياغة
السيرة النبوية والحياة الإسلامية ضرورة تغيير منهج التدوين وإعادة الصياغة
الحمد لله الذي يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس, والحافظ لعباده المؤمنين من شر الوسواس الخناس, والصلاة والسلام على من أرسل للعالمين نبراسا, ما تعاقب الليل والنهار وما جرى قلم فوق قرطاس, وعلى آله وصحبه ذووا السبق بالخير في الناس, أما بعد:
فإن الاعتناء بسير الكبار والعباقرة والحكماء وغيرهم من ذوي الإنجازات العظيمة, هي من العادات التي دأبت عليها الأمم في حياتها, ولا توجد أمة على وجه الأرض تتخلف عن هذا الصنيع, لأنها ترى فيهم النموذج العملي الذي يصلح أن يكون مثالا يحتذي به الناس, نموذج حي يمثل فضائل الأخلاق, تكون كل كلمة تخرج من فم هذه الشخصية النموذجية ذات تأثير واسع تعدل تأليف آلاف الكتب، وكل إشارة تصدر عنها تضاهي الأوامـر السلطانية العليا, وكل القيم الأخلاقية التي نراها في دنيانا اليوم هي بفضل مثل هذه الشخصيات المقدسة، وما عداها ليس سوى كلام تملؤ قراطيسه رفوف الخزائن والمكتبات
إلا أن درجة الاهتمام بسيرهم تعود لطبيعة الشخص ومقدار الإنجازات التي قدمها لأمته وما جلب لها من النفع والصلاح بأعماله, فإذا كان هؤلاء كذلك فما بالك برجل حمل الخير للإنسانية جمعاء؟ وأخرجها من الظلمات إلى النور؟ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؟ لذلك كانت سيرته أكثر سير الرجال اعتناء على الإطلاق وتداولا على مر التاريخ, فانبرى لها المؤالف والمخالف والعالم والمتعلم فسطروا فيها مالا يحصى من الأسفار, وأفنى الرجال فيها زهرة الأعمار.
ولايستطيع أحد أن ينكر حاجة المسلمين وغير المسلمين بل العالم أجمع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الحاجة أو الضرورة ليست دينية فحسب بل ضرورة علمية وأخلاقية وحضارية وأدبية. يمكننا القول باختصار إنها ضرورة دينية ودنيوية في آن واحد.
لأن سيرته صلى الله عليه وسلم تعد من المصادر الرئيسة في حياة المسلمين إلى جانب القرآن والسنة من حيث؛ التشريع, والسلوك, والتنظيم, والاجتماع وما يلحق به من توابعه, وقد كان الناس ولا يزالون يجتهدون في استلهام تفاصيل حياتهم اليومية من تلك السيرة العطرة, وسيستمرون في ذلك ما بقي على وجه البسيطة رجل يقول ربي الله.
ومن ثم كان الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو مجرد معرفة غزواته وسراياه وحفظها وترديدها على الناس واستنباط العبر منها, واستخراج فقهها فحسب, بل إن ذلك يقتضي معرفة شمائله وأحواله وأخلاقه وهديه وتفاصيل تعامله مع أهله ومع الناس, لأن ذلك هو حياة الناس اليومية, ومعرفته ضرورة ملحة لهم لضبط تعاونهم وتعاملهم وتصرفاتهم بضابط النبوة ومعيارها الحق, ومثل هذا المقصد فإن الجوانب العسكرية من سيرته تعد وضعا استثنائيا منه وليس هو بالأمر العادي الغالب على حياة الناس, وإن معرفة تلك الأحوال غير العسكرية وتفاصيلها لهي القائد لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق معنى الأسوة الحسنة التي جعلها الله الطريق لمن كان يرجو الله واليوم الآخر قال تعالى: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ), لأن شمول سيرته صلى الله عليه وسلم لجميع النواحي الإنسانية في المجتمع, تجعل منها القدوة الصالحة لكل داعية وقائد وأب وزوج ومربي وصديق وسياسي وكل ذي ترتيب إداري في مرتبته, وغيرهم من الناس, وإنك لو فتشت في سير الأنبياء والرسل السابفين, ومؤسسي الديانات والفلاسفة المتقدمين والمتأخرين لما وجدت مثل هذا الشمول ولا حتى قريبا منه.
لكن الغالبية العظمى من الباحثين الداعين إلى إعادة كتابة السيرة النوية والنظر في تدوينها الأول, وتناول نصوصها بالدرس والتحليل, إنما قصدوا الجانب الحديثي ونقد الأسانيد الناقلة لتلك النصوص وقد بذلوا في هذا الجانب جهدا عظيما يستحق كل تقدير لكن الجانب الثاني والذي نعنيه بهذا البحث, فلم يلق من تلك العناية إلا النزر اليسير وفي جزئيات متفرقة وليس في بناء متكامل يتضمن جميع أبواب السيرة النبوية المطهرة.
وسنحاول في هذا البحث دراسة هذه المسألة وسبر أغوارها واكتشاف الأسباب التي أدت إليها وفرضتها على نهج تدوين السيرة النبوية المطهرة, وهذه الفكرة ليست وليدة اليوم لدينا بل كانت تدور في خلدنا منذ زمن وقد أشرنا إليها في كلامنا في إحدى حلقات برنامج أفاق فكرية الذي كانت تبثه إذاعة القرآن الكريم بأبوظبي دولة الإمارات العربية المتحدة, كما نبهنا إليه في إحدى افتتاحياتنا بمجلة آفاق الثقافة والتراث, وقد جاءت اليوم الفرصة المناسبة لتقديم هذه الفكرة في بحث مفصل وبين متخصصين يمتلكون القدرات العلمية والآليات اللازمة لتصويب أخطائنا, وردنا إلى جادة الطريق فيما شردنا فيه عنها, والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
من يرغب في الحصول على البحث كاملا فإننا ندعوه بكل لطف وتقدير للتسجيل في الموقع هنا