أهمية الرقابة الشرعية وضرورة وجودها في المؤسسات المالية الإسلامية.
أهمية الرقابة الشرعية وضرورة وجودها في المؤسسات المالية الإسلامية.
تعد هيئات الفتوى والرقابة الشرعية أحد أركان المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وشريانها الذي يتعهدها بالحياة، وطوق نجاتها من المخالفات الشرعية، وصمام أمانها الذي يحفظها من الانحراف عن منهجها الذي بنيت عليه، واستوت قائمة على سوقها.
وبناء على ما سبق فقد نصت معظم المصارف في قوانينها الأساسية وأنظمتها الداخلية على أهمية خضوع معاملات هذه المصارف للرقابة الشرعية لضمان التزامها بالأحكام الشرعية.
ويمكن بيان هذه الأهمية في العناصر الآتية:
1 – إن وجود هيئة الفتوى والرقابة الشرعية بالمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أمر بالغ الأهمية؛ حيث تقوم هذه الأخيرة بدراسة احتياجات المؤسسات المالية الإسلامية من الوسائل والآليات والإجراءات والصيغ التمويلية والاستثمارية؛ لتقوم بناء عليها بابتكار المنتجات الإسلامية البديلة، ولتمكن تلك المؤسسات من الانطلاق في عملها انطلاقة سليمة وراسخة، لا تتعثر أمام الأزمات إلا بالقدر اليسير الذي لا يفقدها قدرتها على المقاومة، والحفاظ على التوازن المطلوب في مثل تلك الظروف، كما تقوم بدراسة العقود والمستندات والنظر في مدى استيفائها للشروط الشرعية، ومن ثم إقرارها أو تعديلها أو إلغاؤها، ومتابعة المصارف في تنفيذها والتدقيق عليها؛ لتتأكد من مدى التزام تلك المؤسسات بقراراتها في تنفيذ السياسات والإجراءات والتقيد في استخدام المستندات والمنتجات.
2- إن مطلب الإفتاء والرقابة الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية يمثل العمق الاستراتيجي، والخاصية المميزة للعمل المالي والمصرفي الإسلامي، ولقد تمكنت هيئات الفتوى والرقابة الشرعية وعلى مدى أكثر من أربعة عقود من قيادة المؤسسات المالية الإسلامية بجدارة حتى تجاوزت بها مرحلة التأسيس إلى مرحلة التوسع والانتشار، وذلك كله في ظل بيئات مالية ومصرفية تقليدية.
3 – لا يختلف اثنان في أن المصارف الإسلامية جاءت بديلاً للبنوك التقليدية - التي تعتمد الربا أساسًا لتعاملاتها المالية – لتخرج الناس من ضيق التعامل مع المؤسسات المالية التقليدية، وحرج الخوض في المعاملات الربوية إلى رحب الحلال الفسيح في المعاملات الإسلامية، وذلك من خلال المصارف الإسلامية، لكن هذا لا يحصل في المؤسسات المالية الإسلامية إلا إذا كانت هناك هيئة رقابة شرعية تشرف عليها وتراقب أعمالها وأداءها وتوجهها، وتقدم لها الحلول عند بروز المشكلات والعقبات.
4 – إن الذين يسهرون على قيام المؤسسات المالية الإسلامية بمهمتها التي وجدت من أجلها سواء في ذلك الإداريين أو الموظفين الذين هم على اتصال مباشر بالمتعاملين لا يمتلكون أدوات الشريعة، ولا تفاصيل علومها في الغالب الأعم، بل إن كثيرا منهم جاؤوا من مؤسسات تقليدية؛ ونظرا لذلك فإن تلك المؤسسات في حاجة ماسة لوجود هيئة رقابة شرعية تعينها على بيان أحكام الشريعة في معاملاتها وتصرفاتها، كما تساعدها على التكيف والتعاطي مع الوضع المناسب للمصارف الإسلامية دون الرجوع إلى الاقتباس من أعمال النظم التقليدية.
5 – إن الاقتصاد اليوم قد تعقدت معاملاته المالية وصوره التجارية، وتوسعت فيه شبكة التعاون بين المؤسسات المالية بشكل غير مسبوق، وانتشرت معه أنواع جديدة من التصرفات المالية وصناعتها، مثل: بطاقات الائتمان، والحسابات بأنواعها، والتجارة الإلكترونية التي لا يوجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة، وإن وجدت الأحكام فإن المصرفيين القائمين على النشاط المصرفي غير مؤهلين للكشف عنها بأنفسهم، فهذا كله يؤكد ضرورة وجود هيئة رقابة شرعية ترعى وتراقب العمل الشرعي في تلك المصارف والمؤسسات، وتدفع به إلى أقصى مداه، وذلك بالتعاون مع إدارة تلك المؤسسات.
6 – إن صور الاستثمار والتمويل في المؤسسات المالية الإسلامية كثيرة ونوازله عديدة ومن الصعب أن تُوجِد لها قالبًا واحدًا تنتظم فيه جميع العمليات، وبمن ثم فهي محتاجة إلى من ينظر في كل ما يعرض عليها من العمليات والمعاملات وغيرها من العلماء المتخصصين، ولا يتحقق ذلك للمؤسسة المالية على الوجه المطلوب والمرغوب إلا إذا انتظم أولئك العلماء في هيئة تلبي طلبات المؤسسات بصورة سريعة ودائمة مهما كانت كثافة تلك الطلبات ووتيرة ورودها.
7 – إن وجود هيئة للرقابة الشرعية في المؤسسة المالية الإسلامية يكسبها مصداقية لدى الرأي العام، ويعزز ثقة المساهمين والموظفين والمتعاملين بها، وبخاصة إذا كان التزام تلك المؤسسة بمقررات الهيئة التزامًا كاملا، كما يشيع جوًّا من الارتياح والطمأنينة في نفوسهم، ويزيل شك المترددين في التعامل معها.
8 – هناك العديد من التحديات تواجه العمل المالي المصرفي الإسلامي، ولقد تواطأت الدواعي والأسباب العلمية والعملية، ونادى العديد من المصرفيين الإسلاميين والفقهاء الشرعيين بضرورة تطوير أنظمة الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية من خلال وضع أنظمة وأسس وإجراءات تضمن السلامة المهنية للتدقيق والرقابة الشرعية، ولن يتأتى ذلك إلا في ظل وجود هيئة شرعية متمكنة في الفتوى والرقابة.
9 - إن العصر الذي نعيش فيه تحدث فيه الكثير من الابتكارات والتطورات المصرفية، وفي كل يوم تظهر صيغ جديدة في المعاملات المالية مما يتطلب وجود هيئة من العلماء عندها الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية، وعندها القدرة للإجابة على تلك القضايا والنوازل المصرفية المعقدة.
الدكتور عزالدين بن زغيبة
مدير التحرير