هذا ما تعلمته من التاريخ يا وطني
هذا ما تعلمته من التاريخ يا وطني
لقد وجدت يا وطني أن العمل الجماعي المؤسس على التشاور وتبادل الأفكار والآراء، والاحترام المتبادل لوجهات النظر، وإقامة الناس لبعضها مقام أنفسها وخفض جناحها لبعضها البعض، وانشغال رعاتها بأحوال رعيتها لهو الصمام لخدمة مصلحة البلاد والعباد وصيانة الأوطان من الإنزلاقات التي لا تحمد عقباها، والتي لا يتمنى عقلاء البشر الدخول فيها أو الاقتراب منها لما سمعوا وشاهدوا من آثارها.
ولقد تتبعت تاريخ المملكات والأنبراطوريات والدول العظمى وتأملت أسباب تطورها وانحطاطها وازدهارها وانهيارها فوجدت أن أسباب تآكلها واتطاحنها وانهيارها هي خمسة أسباب تجمع تحتها كل الشوارد وتقيد كل الأوابد :
الأول: أن الملاأ من تلك الأمم بكذبون على رعيتهم باسم إمامهم ويسترسلون في الكذب حتى تصبح الرعية لا تصدقهم حتى ولو قالوا حقا كالشمس في كبد السماء، ويكذبون على الإمام في شؤون الرعية ويوهمونه بأنهم أسعد الناس في حكمه ويضربون عليه طوقا حتى لا تتسلل إليه أي فكرة غير ما يرونه، وهذا ما يفقد الثقة بين الراعي والرعية ويوسع الهوة بينهم وتكون هذه العقدة الأولى في صناعة ثوب الكراهية والانتقام.
الثاني: أن يصم ولي الأمر أذنيه عن سماع صوت العقلاء والحكماء من رعيته ويعتقد أن الحق والصواب ما يراه هو وبطانته فقط ويصر على أن لا يري قومه إلا ما يرى وأن ما يراه هو سبيل الرشاد.
الثالث: اعتقاد العصبة الحاكمة مع ولي الأمر أنها تملك من المال ما تزور به الحقائق وتعكس به الرغائب وتشتري به الضمائر ومن قوة السلاح ما تركع به الرعية لإرادتها طوعا أو كرها، وهي الخطوة الأخيرة قبل بداية الإنزلاق نحو المجهول، لأنه في هذه المرحلة يقضي فيها جنون القوة والعظمة وحب التسلط على نور الحكمة والتعقل والبصيرة وتقديم مصلحة الوطن ويدخل النفس في بلادة تحجب عنها كل طرق الاستفادة من عبر التاريخ ودروس الاجتماع ومعاني سياسة الدول وكل ضروب تجارب الإنسانية والعلم بها، كما قال ابن خلدون: " إن العلم يرفع الجهل ولا يرفع البلادة ".فأنى للبليد أن يستفيد. ويكفينا مثلا هيترا وكذلك الاتحاد السوفياتي.
الرابع: أن يعمد ولي الأمر إلى استبعاد العقلاء والحكماء وذوي البصيرة من بطانته، وأهل العلم والحلم من مشورته وأهل الصفاء والوفاء من صحبته ومجالسه.
الخامس: أن تكون طبقة المنتفعين وأصحاب المصالح والانتهازيين والعشيرة المقربين وطرفا من أصحاب الوجاهة المالية والعلمية في الناس عون للحاكم على السوء والفساد والدفاع عنها فيقلبون له الحقائق ويصورون له الأمور أن بلاده هي أفضل بقعة طلعت عليه الشمس أو أنها جنت الخلد التي خلقها الله جعلت في أرضه.
هذا ما استطاع عقلي البسيط استنباطه وإجماله في هذه العناصر ولكن من العلماء وكبار الباحثين قد يكون في جعبتهم أكثر من هذا ونحن نتعلم منهم كل يوم
والله نسأل الحفظ لنا ولبلادنا ولجميع بلاد المسلمين.