التراث المنسي: المخطوطات العائدة من باطن الأرض
التراث المنسي: المخطوطات العائدة من باطن الأرض
في يوم من أيام الله في شهر تموز ( جويله) من سنة 2005 م, كنت أنا وأخي الأستاذ هاشم الندوي في مهمة لحساب مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي - الذي نعمل فيه معاً – في مدينة حيدر آباد عاصمة ولاية أندرابرادتش بالهند, حيث كان فريق المركز هناك يقوم بتصوير المخطوطات والوثائق من المكتبات العامة والخاصة في تلك المدينة الزاخرة بالتراث الإسلامي.
وكان من العلماء الذين نتعاون معهم ونحرص على علاقتنا بهم والجلوس إليهم في تلك المدينة الشيخ أبو بكر الهاشمي - كبير المحققين بدائرة المعارف العثمانية ونائب رئيس لجنة إحياء المعارف النعمانية – الذي كنا نزوره في بيته دائما كلما دخلنا مدينة حيدر آباد, وكنا نجلس إليه نلتقط من لسانه أسماء المكتبات بالهند ومواقع المخطوطات وأشهر العائلات العلمية بالهند, التي لا تزال تحتفظ بذخائر التراث الإسلامي حتى يومنا هذا, وكان رحمه الله قد أذن لنا بتصوير المخطوطات الموجودة بمكتبة عائلته الكريمة ومكتبة لجنة إحياء المعارف النعمانية, التي كانت تزخر بجملة من النوادر وبخاصة في المذهب الحنفي, بعضها مصورات ورقية تم الحصول عليها من مكتبات تركيا ومن بعض الدول الأوربية بوساطة العلامة محمد حميد الله عليه رحمة الله.
وفي يوم السبت من شهر تموز ( جويله) سنة 2005 كنا عند الشيخ في بيته, وكنا نتحدث عن الأمطار والسيول التي ضربت مدينة حيدر آباد في سنة 1973 م – أي قبل سنتين من وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني سنة 1975 م - فهدمت البيت الذي كان يسكن فيه الشيخ أبو الوفاء, وهو جزء من بيت عائلة الشيخ أبي بكر, فأعادوا بناءه من جديد بعد وفاة الشيخ أبي الوفاء الأفغاني, وكان لما يكتمل بناؤه بعد حتى تلك الزيارة, وهنا حدثنا الشيخ أبو بكر أن هناك مجموعة من المخطوطات التالفة وغير المكتملة وبقايا مخطوطات دفنت في أرض هذا البيت, فسألته هل من الممكن البحث عنها تحت التراب لعل هناك شيئا منها قد ينفعنا, ولو كان غير مكتمل, فنصوره, فأجاب يمكنكم فعل هذا لكن ليس اليوم, بل تعالوا غدا في الصباح وباشروا التنقيب عن تلك المخطوطات, وأردف قائلا: ما حصلتم عليه من المخطوطات وبقاياها فهو لكم بأصوله, ولا أريد منها شيئا, معتقدا أن ما سنحصل عليه مجموعة أوراق مخطوطات لا أكثر, وذلك إن بقي منها شيء.
وفي صباح يوم الأحد – وهو يوم عطلة أسبوعية في الهند- جئنا إلى بيت الشيخ كما اتفقنا معه, وهنا كنا وحيدرآباد على موعد مع التاريخ, حيث شرعنا في عملية التنقيب على الساعة التاسعة صباحا وتحت بصر الشيخ, فأخرجنا منها كل ما وجدنا فيها من المخطوطات وأوراقها, ثم قمنا بتنظيفها من التراب والغبار وفرزناها فرزا أوليا كل ما سهل فرزه منها, حيث تم استخراج 157 مخطوطٍا كاملا سليمٍا في مادته العلمية, ثم نقلت إلى مقر المركز بدبي حيث تم تعقيمها وتكشيفها حيث تبينت نوادرها وفرائدها.
ولولا لطف الله وعنايته وتوفيقه ما كان لذلك أن يكون, فالحمد لله على ذلك حمدا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
والله ولي التوفيق والسداد.