الصناعة الثقافية ودور رأس المال الخاص في بنائها
الصناعة الثقافية ودور رأس المال الخاص في بنائها
لقد كانت الصناعة الثقافية في العالم العربي منذ زمن بعيد ، ولا تزال ، تحت وصاية الدولة إشرافاً وتوجيهاً وتخطيطاً وتمويلا ، ولا يؤثر في هذا المعنى الكلي الاستثناءات المحدودة جداً ، والمتمثلة في بضع مؤسسات ، يمكن عدها على أصابع اليد في بلاد عربية يقطنها 2.5مليون نسمة ، وتزيد مساحتها عن 11 مليون كلم ، وبخاصة إذا علمنا أن الصناعة الثقافية في العالم العربي ، على الرغم من حيويتها للعباد والبلاد ، أضعف القطاعات ميزانية ، بل المخصص لها أقل بكثير من التمويل المخصص للرياضة ، وهذا القليل يصرف في غالبه فيماً يعرفه كل الناس سماعاً وعياناً .
وإذا نظرت إلى الجمعيات الثقافية المتنوعة والمتناثرة في كل البلاد العربية تجد أنها لا تخرج في صناعتها عن النموذج الذي اعتاده السمع والبصر إلا قليلاً لأن حبل التمويل الملفوف حول عنقها لا يدع لها مجالاً لتفلت من مخالب الوصاية المضروبة على عملها ، كما انه لا يوجد لديها كبير ثقة في تمويل رأس المال الخاص لأعمالها تمويلاً دائماً غير منقطع ، يمكنها من التحرر في أعمالها وبرامجها وأفكارها وتفكيرها .
وفي المقابل نجد عزوفاً شبه كامل من قبل رجال الأعمال والمال عن الاستثمار في هذا الميدان ، إلا ما ينفقه بعضهم من تبرعات على بعض المشاريع الثقافية وبشروطه .
وإن رأس المال في بلادنا العربية يرى أن هذا القطاع غير منتج ‘ أي ليس فيه عائد مادي في الغالب . أما فوائده المعنوية والاجتماعية على البلاد والعباد فهو يرى أن هذا من مسؤولية الدولة ، وليس من مسؤولياته ، مع العلم لو أنفق كل رجل أعمال عربي 15% من ثروته في الاستثمار الثقافي لكان ذلك كافياً لتلبية حاجة الأمة في هذا المجال ، حتى الدولة لا تقوم بما هو منتظر منها في تحريض رجال الأعمال والمال وحثهم ودفعهم للاستثمار في هذا الميدان ، وتقديم التسهيلات اللازمة والمنظومة القانونية الملائمة لهذا العمل ، وكأن ذلك أمر مقصود ، حتى يبقى الفعل الثقافي من تديرها توجهه كيف تشاء .
ولكن على صاحب رأس المال الخاص أن يفكر ملياً بأن لوطنه عليه حقاً ، وأن لأمته علية حقاً وأن أفضل ما يؤدى فيه هذا الحق هو المساهمة في إعادة بناء المنظومة الثقافية للأمة ، وتطوير صناعتها ، والرقي بالحس الثقافي والذوق الفني إلى ما هو جدير به وجدير بهذه الأمة ذات المجد والحضارة التي علمت بالقلم ، علمت الإنسان ما لم يعلم .
ومن ثنايا هذه الكلمات القليلة نوجه نداء لإخواننا الذين استخلفهم الله في ماله أن يعطوا الثقافة بعض ما أوتوا ، والله يجازي كل ذي خير بالخير .
والله الموفق لما فيه الخير والصواب