المراكز الثقافية وتأصيل الهوية الثقافية: المهمة الصعبة
المراكز الثقافية وتأصيل الهوية الثقافية: المهمة الصعبة
قد يكون من السهل على أي مفكر أو مؤسسة ثقافية أو أكاديمية أن تأسس لفكرة ما تراها ملائمة أو مناسبة لصياغة مشروع ثقافي لمجتمعها ودفعه لتبني ذلك المشروع والتزام عناصره بغض النظر عن صلاحية المشروع ومدى توافقه مع الموروث الحضاري والبيئة الثقافية للمجتمع نفسه وبغض النظر أيضا عن نسبة المتقبلين للفكرة الجديدة المتحمسين لها وبغض النظر عن الطريقة التي قدمت بها للناس هل كانت عرضا بالحجة والإقناع أم كانت فرضا بالردع والإفزاع
لكن المهمة تكون أصعب إذا ما تعلق الأمر بترميم منظومات ثقافية قائمة منذ أمد بعيد توارثها المجتمع ا جيلا عن جيل حتى صار بعضا من عناصرها سجية فيهم غير محدثة.
لكن ما ألم بمجتمعنا من موجات الاستعمار المتعاقبة والطويلة الأمد إضافة إلى القوالب الفكرية الجاهزة التي استوردها أبناؤه اعتقادا منهم بأن الخروج من النفق لايكون إلا باتباعها أو الأفكار التي حملها من كان لهم حظ الدراسة في الغرب وأرادوا ترويض المجتمع عليها بالإضافة إلى الضغط الثقافي والإعلامي الذي يمارسه من هو مخالف لهويتنا وحضارتنا .
كل ذلك وغيره مما أدركناه ومالا ندركه قد أحدث شروخات كبيرة وثلمات عميقة في البناء الثقافي للأمة وأدى إلى انقلاب كثير من المفاهيم لدى الناس وتبدل سلوكات صار معها الفكر السوي صورة من التخلف والرجعية .
وأمام هذا الوضع يزداد ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق المراكز الثقافية التي نذرة نفسها لخدمة هذه الثقافة وترميم ما أصابها فضلا عن حماية ما سلم منها مما كسبت أيدي الناس وهنا تكمن فاعلية الأدوار والمهام التي تقوم بها تلك المراكز من خلال نجاعة الخطط التي تطبقها والأساليب التي تسلكها في سبيل ذلك ودقة الأعمال التي تقوم بها وجودة الآداء في المجتمع والمحيط .
وهنا تكمن أهمية العمل الجماعي بين المراكز الثقافية في البلاد العربية والإسلامية وحتمية تعاونها مع المفكرين والباحثين المخلصين لقضايا الأمة في المجال الثقافي حتى نتمكن من توحيد الجهود وتوجيهها نحو ثغور الصراع الثقافي لأنه لايمكن لأي عمل بنائي أن يفيد الثقافة الإسلامية الإفادة المأمولة ما لم يكن أهل تلك الثقافة قادرين على حمايتها وتمكين الغلبة لها في مواقع الصراع المفروض عليها .
وأظن أن هذا الأمر يكون ممكن التحقيق إذا ما تمكنا من وضع آليات لائقة بالواقع وملائمة للنظام الاجتماعي المعاصر وقادرة على تملك التفكير الجماعي للأمة , حينها يمكن لعلماء الأمة ومفكريها أن يقوموا بالإصلاح الفاعل والناجع في البناء الثقافي بما يصون الهوية الحضارية ويعزز دور الأمة في صناعة الثقافة الإنسانية .
والله نسأل التوفيق والسداد لأمتنا .