بين الفكرة والإنجاز
بين الفكرة والإنجاز
إذا كان التفكير فريضةً إسلاميةً كما عنون المفكر "عباس محمود العقاد" كتابه, فإنه لا يمكن أن يتصور إنسان يمتلك عقلاً وحواساً وجوارح تؤدي وظيفتها الطبيعية, وقدراً من المعرفة, أن يعيش بدون تفكير حتى ولو كان على المستوى البسيط, بل إن كل حركاته وسكناته تتم وفق تفكير سابق منه، بغض النظر عما آلت إليه نتيجة ذلك التفكير من حسن أو سوء, وإنما الذي نعنيه هنا هو أنه ما من عمل يقوم به الإنسان إلا وقد كان فكرة قبل ذلك في عقل فاعله, ألا ترى أن علماء الاجتماع إذا أرادوا دراسة ظاهرة اجتماعية معينة قاموا بتحليلها ودراسة عناصرها وأحوالها، ومن عناصر الدراسة البحث في أسباب ورود الفكرة الأولى للظاهرة وكيفياتها ثم الأفكار اللاحقة التي أدت إلى التعديلات التي طرأت عليها حتى وصلت إلى الحالة الموجودة عليها, فأول الأمر فكرة وبعدها السؤال.
وهنا نقول: إن مقدار الأفكار التي يحملها الناس في تصوراتهم على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأعمارهم ومستوياتهم المعرفية ومواقعهم الجغرافية لا يحصيها عدد، وما يعلمه الناس عن بعضهم من تلك الأفكار لا يساوي إلا نسبة بسيطة مما هو مستتر في نفوس حامليه وتصوراتهم؛ وذلك للعجز الشامل أو الجزئي في تجسيدها على الواقع, والخوف من اختطافها عند إذاعتها مع العجز على الإنجاز, وقد تطوي نفوس كثيرة كتابها وما في جعبتها من أفكار لم تر النور بعد.
هنا تكمن أهمية الإنجاز والتنفيذ والتجسيد للأفكار على أرض الواقع؛ لأن أية فكرة مهما كانت قيمتها العلمية والاجتماعية وعائدها المادي من الناحية النظرية فهي لا تساوي شيئاً إذا لم يصاحبها إنجاز وتنفيذ في الواقع؛ لأن الناس لا يتجولون في عقول الناس, وإنما يصدِّقون ويؤمنون بما يبصرونه من إنجازات ماثلة للعيان, وما يتمتعون به في حياتهم من الوسائل والخدمات التي تُيَسِّرُ مجريات حياتهم, وتخفف عليهم من أعبائها وتكاليفها.
وهنا يكمن الواجب الجسيم الملقى على عاتق الدولة ومؤسساتها المتنوعة, والمجتمع ومؤسساته الأهلية وهيئاته وجمعياته وغيرها من التجمعات والتنظيمات والهياكل؛ لأن كثيراً من الأفكار الإبداعية والمتطورة والمفيدة للمجتمع وللدولة تكون لدى فاقدي الجانب المادي الذي يقف في الغالب حاجزا قويا بين تلك الأفكار وبين تنفيذها وتجسيدها في الواقع, وهنا يكمن الدور الحاسم للدولة بالدرجة الأولى والمجتمع بجميع مكوناته بالدرجة الثانية في دعم هذه الطاقات واحتضانها وتوفير كل الوسائل اللازمة لإنجاح تلك الأفكار وتشجيع المواهب المبدعة لها, فإن في ذلك فوائد جمة للدولة والمجتمع حيث يستفيد الناس من آثار تلك الأفكار ونتائجها ويستفيد أصحابها من الدعم الضروري لإنجازها مما يحفزهم للبذل والعطاء بشكل أكثر بقوة وإخلاص، كما يكون ذلك الدعم مانعاً لهم من التفكير في الاستجارة بالأجنبي, كما يعطي فرصة مواتية للدولة في اكتشاف طاقاتها ومكامن قوة أبنائها ومدى قدرتهم في النهوض بالبلاد ومدى التعويل عليهم في ذلك, كما يقوي روح الاجتهاد والبحث على نطاق واسع لدى الناس سعياً منهم للمشاركة في المجهود الجماعي والتعاون الوطني للنهوض بالأمة ودفعها نحو التقدم والازدهار.
والمحصلة الفريدة والرائعة لهذا العمل الجماعي والتعاون المشترك بين صناع الأفكار وصناع القرار وبينهما مكونات المجتمع المتنوعة هي؛ ترسيخ الروح الوطنية وتعزيز قوة الانتماء, ورفع درجة الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وأبنائه, وتوطيد الإحساس بالكرامة وعزة الانتماء للوطن والأمة، نتيجةً نتطلع لرؤيتها في كل بلد عربي ومسلم أمين.
والله الموفق لما فيه الخير والصواب