حمَلَةُ الأفكار
حمَلَةُ الأفكار
إنّ المقصود بهذا العنوان ليس فكرة دينيّة، ولا مذهباً فكريًّا، أو فلسفيًّا، ولا تياراً اجتماعياً، وإنما المقصود به كل فكرة سماوية كانت أو مكتسبة، يحملها جمهور من الناس، كرسالة للخلق يرمون من ورائها إلى تأسيس أو بناء مشروع ما، يرون فيه السبيل الأمثل لإخراج البشرية من ضيق ظلمات الفكرة التي يعيشون، فيها إلى رحاب نور الفكرة الجديدة والمشروع المراد .
إلا أنّ تلك الأفكار قد تحظى برجال تتشرف بحملهم لها، والدعوة إليها، فيصنعون لها في البحر طريقاً يبساً، برجاحة عقولهم، ورزانة رأيهم، ووجاهتهم في المجتمع، وأكثر من ذلك كله استعدادهم لبذل النفس والنفيس من أجلها، حتى وإن كانت تلك الأفكار في نظر غيرهم شراً ووبال على من تراد لهم ؛ لأن أولئك الرجال بعلمهم وعملهم ومثابرتهم وإخلاصهم للفكرة حتى وإن كانت باطلاً، جعلتها ترى للناس قبسً من نور ينبغي الاقتباس منه والاستفادة منه.
وفي مقابل هذا هناك من الأفكار ما هو غاية في الصفاء والينوعة والمنطق والأتزان، بل هي جماع الخير كلّه، لكنها أثقلت بحملها من قبل رجال لهم من التهور الخط الأوفر، ومن غياب بعد النظر نصيب مؤثر، ليس للصبر عندهم مجال، ولا لقواعد التأني امتثال، فتحولت بسلوكهم تلك الفكرة الصافية النقية التي لا يوازيها معين، إلى مستنفع ركد ماؤه، وتعكر صفاءه، فنفر عن شربه كل مخلوق، فأحالوا رحيقها المختوم إلى موت محتوم، وصور الحياة الكريمة التي تأخذ الألباب والأبصار، إلى مظاهر دمار وانتحار، فأحلوا بها أنفسهم وقومهم دار البوار، ففكرة يحملها مثل هؤلاء هي مثقلة بهم وهم عبء عليها .
ورحم الله مصطفى صادق الرافعي إذ يقول: الفرق بين كاتب متعفف، وبين كاتب متعهر، أن الأول مثقل بواجب، والآخر مثقل به ذلك الواجب.
والله الموفق لما فيه الخير والصواب
مدير التحرير