رسالة إلى ملتقى قضايا المرأة في المشروع الفكري للشيخ الغزالي
رسالة إلى ملتقى قضايا المرأة في المشروع الفكري للشيخ الغزالي
الحمد لله الذي وجده يتيما فأوى، والصلاة والسلام على من لا ينطق في أحكامه بهوى، وعلى آله وأصحابه الذين صدقوه في كل ما عن مولاه الكريم روى وبعد.
أيها الجمع الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لقد رغبت أن أكون بينكم عيانا لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقنعت أن أكون بينكم لسانا وبيانا بكليمات أسأل الله العظيم أن تكون خالصة لوجهه الكريم.
أيها الجمع الكريم إن الغرب نجح في صناعة الهوة بين المسلمين الأعاجم والمسلمين العرب، وأفلح في قطع أوصال الود ووشائج الأخوة بينهم، ثم سعى لجعل المسلمين في الجانبين فرقا وشيعا متناطحين ثم متناحرين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المفسدين من أبنائهم، وهو من وراء هذا يسعى لتفكيك أوطاننا قطعا متجاورات، إنه التداعي على قصعتنا كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، رغم كثرتنا التي لم تنفع مع قلة حيلتنا وهواننا على الأمم.
أيها الجمع الكريم: إنني أرمق في الأفق خطرا داهما وإعصارا جارفا يتجه نحو أوطاننا، واعتقد جازما أنه لا نجاة لنا من تلك الدهماء وذلك الإعصار إلا بالاعتصام بحبل الله المتين وأن نكون جميعا على قلب رجل واحد في وطننا، وإن هذا لن يكون إلا برجوعنا إلى الدين كما تلقيناه من علمائنا جيلا عن جيل نقيا صافيا، وبإبقاء قبس الشهداء وقادا في صدورنا لا يفرقنا طرفة عين، فبهما معا نمتلك الروح الدينية والوطنية الصلدة، والوفاء لأولئك الرجال والنساء الذين قضوا نحبهم من أجلنا فهم أحياء عند ربهم يرزقون، وانشروا تلك الروح معطرة بريح التضحيات الجسام التي بذلت من أجل هذا الوطن بين ابنائكم وتلاميذكم وإخوانكم بل ألقوا بها إلى الشعب ليعانقها فهو درع الوطن في الخطوب المهلكات، وأمل الجزائر في الليالي الحالكات.
وإن باختياركم لموضوع قضايا المرأة عنوانا لملتقاكم هذا تكونون قد أدركتم أحد أكبر الثغور التي يتسلل منها شيطان الغرب وينفذ من خلالها إلى مجتمعاتنا وبخاصة عند شريحة الفتيات، تحت شعارات كثيرة كالمساواة والحرية والكرامة والحقوق الاجتماعية وهلم جرا.
أيها الجمع الكريم إنَّ الفتاة المسلمة والشاب المسلم وجهان لعملةٍ واحدة هي عملة الأمة، وتمثّل الفتاة وجهها الذي يحدّد قيمتها ويمثل الرجل وجهها الذي يحدد مصداقيتها، فلو أخذت تقارن بين الوجهين لوجدت هناك اختلافا في عناصر تكوينهما، ولكن لو طمست أحد الوجهين لن تجد صرافا على وجه الأرض يصرفها لك، لأنك لو طمست رقمها فقدت قيمتها ولو طمست صورتها فقدت مصداقيتها، ومن غير شك أن الوجه الذي يحمل قيمة العملة هو الأفضل، نعم هي المرأة المسلمة، التي خصصتم ملتقاكم هذا للبحث في قضاياها من خلال المشروع الفكري لشيخنا ومصدر طاقتنا وهمتنا بعد الله عز وجل العلامة محمد الغزالي تغمده الله بواسع رحمته.
إن هذه المرأة الأم والزوجة والبنت والأخت، هي أستاذ الأساتذة الأولى، وهي المدرسة التي إذا أحسن الإنسان إعدادها أحسن إعداد أمةٍ بأكملها، وإذا أساء إعدادها أساء إعداد أمةٍ بأكملها، وهي المضغة التي إذا صلحت، صلحت الأمة، وإذا فسدت، فسدت الأمة، وهي الأرض التي إذا ما تعهدها الإنسان بالرعاية اهتزت، وربت، وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيج.
أثنى عليها القرآن، فأنزل سورة باسمها، وهي سورة النساء، وهي وصية الأنبياء للرجال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " ما أكرمهنّ إلاّ كريم، وما أهانهنّ إلاّ لئيم"، وقال: "رفقا بالقوارير"، وقال في حجة الوداع: " استوصوا بالنساء خيرا".
هي الأم التي أنجبت الأنبياء عادةً، ومعجزة، وهي الزوجة التي كانت إلى جانبه صلى الله عليه وسلم عند بداية نزول الوحي، وهي الأخت التي جعل الله نصيحتها سببًا لتربية الأنبياء في حجر الأعداء، وهي التي تقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ، وأنبتها نباتًا حسنًا، استجابة لدعائها، دعاء زوجة عمران التي قال: )فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً(.
وإن تتحقّق هذه المرتبة للمرأة اليوم لا يكون إلا بثلاثة أمور هي؛
- التربية.
- الاجتماع.
- طلب العلم.
فالتربية مسؤولية؛ الأسرة ثم المدرسة ثم المجتمع، وهي التي تجعلها من ذوات المنبت الحسن لا خضراء الدمن.
أمّا الاجتماع فهو مسؤولية الدولة؛ لأنّ في التقاء المرأة أخواتها من أصقاع العالم؛ تشاركهن أفراحهن وأتراحهن، وتدارسهن أفكارهن ومشاعرهن، وتقاسمهن آمالهن وطموحاتهن، فيتحقّق لها بذلكَ التواصل، الذي يجعل منهن فكرةً واحدة وجسدًا واحدًا، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى.
أمّا العلم فهو مسؤوليتهما معًا، وبه تعرف ربّها ونفسها، وصناعة دنياها، وبناء آخرتها.
ولن تقوم حضارةٌ في الدنيا دون مشاركتها الفعّالة. وقد قال الفلاسفة قديمًا: وراء كلّ عظيمٍ امرأة هي أعظم منه، وأقول: وراء كلِّ صدوقٍ مخلص مخلصة، هي أثبت منه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
الدكتور عزالدين بن زغيبة
مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث
دبي – الإمارات العربية المتحدة