على رسلك يا قلم
على رسلك يا قلم
إنّ تناثر الصحف والمجلات العربية، من شجرة الحرية في بلادنا كتناثر أوراق الخريف في الأرض الجدباء قد أبان عورات كثير من الأقلام العربية، وخرقت حجاب أسرارها، وكشفت دفائن صدورها، كما يمزق الفجر ضياء الصبح المتنفس سدول الليل الدامسة، وأماطت اللثام عن سيئات، ما كان لعين أن ترمقها لولا الحرية المصنوعة لأجلها.
ونعني في هذا المقام الأقلام التي رأت في نسيم الحرية المصنوع لها ملاذا آمنا، ودرعًا قويًّا، يقيها من كل متحرش بها ومتربص لها، كانت لا تقدر عليهم من قبل، وفهمت أن ما أهدي لها كان على من أهدوها حتمًا مقضيًّا، وأنهم لا يستطيعون حيلة في تجاوزه. قد آن أوانها لتقول كلمتها المحبوسة في صدرها؛ لتصلح بها في المجتمع ما أفسد الناس، وتخرجهم من دلجة القرون الأولى إلى ضياء العالم الجديد وتنقلهم من قيم الشرائع إلى سلوك الذرائع، وتسعى جاهدة لتفهمهم أن زمن الهوية قد ولّى.
ولكنها كانت تدرك جيدًا أنّ هذا الأمل لن تحصل عليه إلا إذا سلت سيف طعنها وغرزه في ظهور إخوانها وصدر وطنها، وراحت تصب حقدها المغلّف بشعارات الحرية، وحقوق الإنسان، ونبذ التعصب وغيرها من المواد الجاهزة على البلاد والعباد، وتحمل الكل زلات من أخطأ في حقها.
ولكن الأقلام التي تعنيها، لو تمهلت السير، وتأنت في رسمها، ونظرت للأمور والحوادث والنوازل بعين فاحص ممحص سابر لأغوارها، وأدركت أن البلاد، وإن جارت على بعض أهلها، تبقى عزيزة، وأن أهلها إذا شحوا على بعض إخوانهم يبقوا هم الكرام.
فإذا علم هذا فلا نملك إلا أن نقول : على رسلك يا قلم، فلا تغرنك كثرة الكلم، ولا الوعد في الأهل والوطن هو الطريق الأسلم.
والله الموفق لما فيه الخير والصواب