بسم الله الرحمن الرحيم
واقع الزواج ومشكلاته في الوطن العربي
إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الإنسان واستخلفه في الأرض واستعمره فيها جعل منه نسلاً تقوم عليه العمارة ويستمر به الاستخلاف, وجعل للنسل سبيلاً يبتغى بها وهو النكاح الذي هو ركن من أركان المصلحة في الخلق وسبباً لصلاحهم وسلامة أعراضهم شرعه الله طريقا لنمائهم وجعله شرعة من دينه ومنهجا من سبيله, وأناطه بجملة من الأركان والشروط ليميزه عن السِّفاح والمخادنة والإلاطة.
ولما كان تغير الأزمان وتبدُّل الأحوال بتغير المكان سنةً ماضيةً في الأكوان كان الأنسان أكثر الأشياء تأثّرًا بذلك في حياته انفرادا واجتماعا, ولهذا فهو دائما يسعى باجتهاده لتطوير نظامه بما يحفظ دينه ويحسن مسيرته.
ولما كانت عقول الناس وأنظارهم ليست على وزان واحد في فهم القضايا وتحليلها وتبصر المشاكل ودراستها وتلمس مواطن الداء وعلاجها كان التجاذب بينهم في ذلك ديدن عملهم واجتهادهم, وكانت أحكام الأسرة من ساحات هذا التجاذب, وذاك النقاش الساخن, في مسائل عديدة منها: مسألة مطالبة أحد الخطيبين بالتعويض عن ضرر العدول عن الخطبة، سواء أكانَ الضرر مادياً أم معنوياً. وهي نازلة ظهرت في هذا العصر واختلف الناس في حكمها, ومسألة أخرى مهمة تتعلق بأعراض المسلمين ألا وهي ظاهرة التحايل التي يمارسها غير المسلمين الذين يشهرون إسلامهم ويظهرون دخولهم فيه ليتمكنوا من نكاح المسلمات - لأنه يحرم في الشّرع أن تتزوج مسلمة بغير المسلم - حتّى إذا تأتَّى لهم ذلك، لا يرى من سلوكهم ومعاملاتهم إلا ما كان مخالفاًَ للشرع، فكان الاحتياط في هذا الأمر والتريث فيه من أوكد الأمور, ومسألة الولي في الزواج التي تعد من أكثر المسائل انتقادًا من قبل الرافضين لقانون أحكام الأسرة في البلاد العربية, وذلك لتعارضه مع مبدأ حرية المرأة, لأن مشاركة وليها في زواجها يعد تقييداً لحريتها وحكماً عليها بالقصور وبناء عليه فقد نصت بعض قوانين الأحوال الشخصيّة في الدول الإسلامية على إلغاء ولاية التزويج, وهو تعدي واضح وصارخ على أحد أركان النكاح المقررة في الشريعة ومسألة حق الزّوجة في النّفقة, بين صورتها عند الفقهاء قديمًا وما دخل عليها اليوم من الإشكالات بسبب خروج المرأة للعمل وهل ذلك حق لها أم هو من حقوق الزوج, وكذا مسألة تقييد تعدد الزوجات التي أحدثها النَّاس منذ بداية القرن الرّابع عشر الهجريّ هذا السِّجال الذي تطور فيما بعد في بعض الدول العربية ليصبح قانونًا نافذًا, بل جعلت ممارسته جريمة يعاقب عليها القانون وغيرها من المسائل التي دخلتها من المحدثات ما جعلها مثارا للخلاف والجدال بين الرافض لها والمصر عليها, وربما توسع هذا الخلاف في أحيان كثيرة إلى صراع فكري انبرى له فريقان متقابلان, فريق في جلده ومعه السواد الأعظم المتمسك بالفطرة التي فطر الله الناس عليها, ويؤمن بمراعاة التغيرات الزمانية والمكانية مقدرة بقدرها ومن بيئتها وأبنائها. وفريق في جلد غيره ولا يمثل إلا نفسه انسلخ من فطرته ويروم التشبث بشيء لا يعرف منبته ولا أصله وفصله, وإذا تعمقت معه في النقاش حول ما يدعيه وجدته فارغا ضائعا وتائها كالشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار, وولى مدبرا فارا كالحمر المستنفرة التي تفر من القسورة.
الدكتور عزالدين بن زغيبة
أحدث المقالات
-
المشاهدات: 290
-
المشاهدات: 123
-
المشاهدات: 13
-
المشاهدات: 172
-
المشاهدات: 24
أحدث البحوث
-
المشاهدات: 25
-
المشاهدات: 52
-
المشاهدات: 81
-
المشاهدات: 65
-
المشاهدات: 718